تتصاعد الضغوط الدولية على لبنان في مرحلة تُعدّ من الأكثر حساسية منذ نهاية الحرب الأهلية. الأنظار تتجه إلى الجنوب والبقاع وسط استمرار الغارات الإسرائيلية الهادفة إلى كسر معادلة السلاح غير الشرعي. المجتمع الدولي بات واضحًا: لا استقرار في لبنان ما دام السلاح خارج يد الدولة، ولا سيادة حقيقية طالما القرار الأمني والعسكري مرتبط بطهران عبر “حزب اللّه”. إسرائيل، وبدعم مباشر من واشنطن، تعتبر نزع سلاح “الحزب” شرطًا لأي تسوية مستقبلية، وترى أن بقاء ترسانته يعني إبقاء لبنان رهينة لصراع إقليمي مفتوح.
في هذا السياق، كشفت مصادر دبلوماسية أميركية رفيعة لصحيفة “نداء الوطن” أن الإدارة الأميركية أبلغت الرؤساء اللبنانيين الثلاثة بأن الفرصة المتاحة لتحقيق السلام قد تكون الأخيرة، وإلّا فإن الأمور ستتجه نحو فرض الحلّ بالقوّة. وتشدّد واشنطن على ضرورة انخراط بيروت في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل برعايتها، ضمن جدول زمني وآلية واضحة لنزع السلاح، محذرة من أن غياب المبادرة اللبنانية سيدفع إسرائيل للتحرّك منفردة لتحقيق هذا الهدف.
تتابع الإدارة الأميركية عن قرب تنفيذ التفاهمات اللبنانية – الإسرائيلية التي وُقعت بوساطتها وبدعم فرنسي وعربي. وترى أن غياب القرار السياسي في بيروت يُعطل تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، ما يتيح لإسرائيل مواصلة عملياتها العسكرية الواسعة لتقويض بنية “الحزب” ومنع إعادة تموضع قواته أو ترميم ترسانته الإيرانية. الدولة اللبنانية، وفق المصادر، فشلت في اتخاذ أي خطوة فعلية لضبط السلاح أو كبح النشاطات الميدانية.
استراتيجية ثلاثية لإضعاف قوّة “حزب اللّه”
تشير المصادر الأميركية إلى أن العمليات الإسرائيلية تتمّ بإحاطة مسبقة من واشنطن، وتنفذ وفق استراتيجية ثلاثية المحاور: المحور الأول، يتركز على الحدود الجنوبية بهدف شلّ قدرات “الحزب” ومنعه من إعادة تشغيل منصات الصواريخ. الثاني، يمتد شمال الليطاني، مستهدفًا مراكز القيادة والسيطرة لعزل الميدان عن القيادة المركزية. أما الثالث في البقاع، فيهدف إلى تدمير الخطوط اللوجستية لتخزين السلاح الإيراني والصواريخ البعيدة المدى. وترى واشنطن أن هذه الضربات الممنهجة تضعف “الحزب” عسكريًا وشعبيًا، إذ تحوّله من قوة مقاومة إلى عبء أمني واقتصادي على الدولة، بعدما بات منشغلًا بحماية ترسانته بدل الدفاع عن لبنان.
تضييق الخناق على الشبكة المالية لـ “الحزب”
في موازاة الميدان، تتوسع الجبهة المالية للحرب. تحذر المصادر الأميركية من أن المنظومة المالية التابعة لـ “حزب اللّه” ما زالت تعمل بقوة كشبكة موازية خارج القانون، تؤمن التمويل لنشاطاته وتعمّق عزلة لبنان عن النظام المصرفي العالمي. تستغل هذه المنظومة الانهيار الاقتصادي لتوسيع نفوذها، محوّلة “الحزب” إلى كيان اقتصادي – أمني يختطف قرار الدولة ويضعها في خدمة المصالح الإيرانية.
وتتابع وزارة الخزانة الأميركية ملاحقة اللبنانيين المرتبطين مباشرة بهذه الشبكة داخل الولايات المتحدة وخارجها، ضمن حملة دولية لتجفيف منابع التمويل. وتشير المصادر إلى أن هؤلاء يشكّلون حلقة وصل بين رجال أعمال لبنانيين وشركات أجنبية على صلة بالحرس الثوري الإيراني، تُدار عبر شركات وهمية واستثمارات صورية تدرّ أرباحًا هائلة تُحوَّل خارج النظام المصرفي لتمويل الأنشطة العسكرية داخل لبنان.
وتؤكّد المصادر أن وزارة الخزانة، بعد أن فرضت قبل نحو أربعة أشهر عقوبات على عدد من اللبنانيين المرتبطين بـ “حزب الله” وبالنشاطات المالية الإيرانية، تتابع رصد استمرارهم بتنفيذ معاملات بملايين الدولارات دعمًا لمصالح “الحزب”. وتشمل اللائحة: نعمة أحمد جميل، عيسى حسين قصير، سامر حسن فواز، عماد محمد بزي، علي محمد كرنيب، علي أحمد كريشت، ومحمد سليمان بدير. كما جُدّدت العقوبات على ناظم سعيد أحمد وصالح عاصي ضمن حملة تستهدف تفكيك الشبكات المرتبطة بمحور طهران. وتدرس الإدارة الأميركية توسيع العقوبات لتشمل سياسيين وزعماء لبنانيين يحمون هذه المنظومة أو يعرقلون قيام الدولة، ما يعمّق صورة لبنان كدولة رهينة لصراعات الآخرين.
الوساطة المصرية وتجنب الانفجار
على الضفة الدبلوماسية، تتحرّك القاهرة بخطوات حذرة لتقديم ورقة عمل شاملة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل بطريقة تطمئن جميع الأطراف، بما فيها “حزب اللّه”. وتأتي المبادرة المصرية وسط قلق من احتمال التصعيد الإسرائيلي، وتسعى القاهرة عبر مشاوراتها مع المسؤولين اللبنانيين إلى صيغة مشابهة للاتفاق الذي تحقق في غزة، تقوم على الحوار لا المواجهة. وتشير مصادر دبلوماسية عربية مطلعة إلى أن التحرّك يعكس رغبة مصر في لعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن وخفض التوتر الإقليمي عبر فتح قنوات التواصل بين الخصوم.
بين استعادة الدولة أو البقاء رهينة السلاح
لبنان اليوم عند مفترق طرق خطير. غياب موقف رسميّ واضح واستراتيجية لمعالجة ملفي السلاح والمال يمنحان “حزب اللّه” فرصة لترسيخ نفوذه، فيما يضاعف المجتمع الدولي ضغوطه لتغيير قواعد اللعبة. الخيار واضح: إما الانخراط في مسار نزع السلاح واستعادة هيبة الدولة، أو البقاء في دائرة الانعزال والانهيار تحت سطوة سلاح غير شرعي يهدّد مستقبل البلاد ويزيد احتمالات انفجار جديد في أي لحظة.
واشنطن تلمّح بأن إسرائيل تقترب من نزع سلاح “الحزب” .


 
															
