2026: أزمة دولار ولا انتخابات نيابيّة

ينتظر لبنان، بعد انقضاء فترة الأعياد، استحقاقاتٍ عدّة، اقتصاديّة وسياسيّة وأمنيّة، وكلّها تحمل ألغاماً مرجّحاً أن تنفجر بأشكال مختلفة. لا حديث حتّى الآن عن حربٍ شاملة، لكنّ المؤشّرات كلّها تتقاطع عند تصعيدٍ متدرّج، لا يقتصر على تكثيف الغارات، بل يشمل توسيع نطاقها ليطال البقاع  والعاصمة.

 

أمنيّاً، يتحضّر الجيش اللبنانيّ لتنفيذ المرحلة الثانية من انتشاره، وحصر السلاح بيده من نهر الليطاني إلى نهر الأوّلي في صيدا، وذلك على الرغم من الموقف الإسرائيليّ السلبيّ من أدائه، واتّهام بعض العناصر والضبّاط بالانتماء إلى “الحزب” أكثر ممّا ينتمون إلى المؤسّسة العسكريّة. وهو ما لا يبشّر بخير في المرحلة المقبلة. بالتوازي، تشير كلّ المعطيات إلى أنّ التصعيد المقبل سيطال الوضع العامّ، وتحديداً المسارَين الاقتصاديّ والسياسيّ، كلٌّ بطريقته وأدواته.

في الاقتصاد: حصار على الدّولار

لا تقتصر الحرب الإسرائيليّة على القصف والاغتيالات والغارات وسائر أشكال المواجهة العسكريّة أو الأمنيّة، بل تمتدّ لتطال اقتصاد “الكاش” الذي لا يزال يهيمن على السوق اللبنانيّة. من القناعات التي تتحكّم بالمشهد اللبنانيّ أنّ المال والسلاح يشكّلان جوهر القوّة والسيطرة، سواء داخل بيئة “الحزب” نفسها أو على القرار السياسيّ في البلد. وبالتالي تقويض هذين العنصرين كفيل بإحداث انهيار شامل.

انطلاقاً من تقويم حجم اقتصاد “الكاش” في لبنان واستفادة “الحزب” منه، يُتوقّع أن يكون الحصار المقبل أشدّ وطأة على العملة الخضراء، عبر ضبطها والحدّ من تداولها بسهولة. لهذا الغرض ستكون هناك خطوات مطلوبة في الأشهر الأولى من العام المقبل:

– أوّلاً: تطبيق القوانين الماليّة التي سبق إقرارها، إضافة إلى إقرار قانون الفجوة وإعادة انتظام الهيكليّة الماليّة للدولة.

– ثانياً: الاستمرار في وقف مزاريب تبييض الأموال، وهو أمر مرتبط ويتأثّر بمدى نجاح الحكومة في تطبيق القوانين الماليّة.

– ثالثاً: تشديد الرقابة على استمرار تدفّق الأموال عبر المطار أو المرافق الأخرى، ولا سيما الحدود اللبنانيّة – السوريّة، التي لا تزال تسجّل بعض الخروقات على الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة. وعليه، ستشكّل الحدود أحد العناوين الكبرى التي ستستقطب اهتماماً وتدخّلاً دوليَّين للسيطرة عليها.

بناءً على هذه الأولويّات، يتحدّث مطّلعون على الشأن الاقتصاديّ عن أنّ هذه الإجراءات ستؤدّي إلى نقص في الدولار في الأسواق، وهو ما سينعكس مباشرة على معاملات قطاعات حيويّة تمسّ الحياة اليوميّة للّبنانيّين. في ظلّ سياسات لا تزال أضعف من المطلوب، وضغوط خارجيّة قاسية على الاقتصاد، سيكون الوضع النقديّ عنواناً أساسيّاً في الأشهر المقبلة.

في السّياسة: لا انتخابات نيابيّة

عند مراقبة المشهد الدوليّ، يظهر بوضوح أنّ الأولويّتين الأساسيّتين هما السلاح والمال، فيما لا تحلّ الانتخابات النيابيّة في موقع متقدّم على لائحة الاهتمامات. من هنا، بدأ الهمس في الكواليس السياسيّة والخارجيّة على حدّ سواء عن تقاطع داخليّ – خارجيّ على عدم إجراء الانتخابات النيابيّة، والذهاب نحو تمديد ولاية المجلس الحاليّ لمدّة عامين، وذلك لأسباب عدّة:

– أوّلاً: إنّ تداعيات إقرار القوانين الماليّة والحصار على الدولار ستؤدّي إلى امتعاض شعبيّ، نتيجة تراجع بعض القطاعات وانخفاض القدرة الشرائيّة، وهو ما لا يتلاءم مع إجراء انتخابات. في الكواليس السياسيّة ثمّة حديث عن مقايضة بين ورشة الإصلاحات الماليّة وإجراء الانتخابات. بما أنّ الأولويّة هي للملفّ الماليّ، فالأرجح أن يتمّ ذلك على حساب تأجيل الاستحقاق الانتخابيّ.

– ثانياً: لا رغبة أميركيّة – سعوديّة في خوض معركة على موقع رئاسة مجلس النوّاب إذ لا تزال الحاجة إلى الرئيس نبيه برّي قائمة دوليّاً. لا تتفاوض معه الولايات المتّحدة بصفته ممثّلاً شيعيّاً فقط، بل طرف مقرّر في البلد، فيما تربط علاقة ممتازة المملكة السعوديّة بعين التينة، وقد أُسّست معها خطّة عمل وورشة إعادة إعمار للمرحلة المقبلة.

– ثالثاً: إنّ الحكومة الحاليّة برئاسة نوّاف سلام تقوم بواجباتها كاملة، وتحظى بدعم دوليّ لمسارها، ولا سيما في ما يتعلّق بالعنوانَين الماليّ والسلاح. وبالتالي تقتضي الرغبة الخارجيّة الإبقاء على هذه الحكومة لاستكمال مهمّتها حتّى نهايتها.

– رابعاً: إنّ تقاطع المصالح بين الداخل والخارج لن يجعل تمديد ولاية المجلس النيابيّ أمراً صعباً. الكتل النيابيّة عاجزة عن خوض معارك انتخابيّة يُتوقّع أن تكون طاحنة لكثير منها. والثنائيّ الشيعيّ سبق أن عبّر عن رغبته بتأجيل الانتخابات لأربع سنوات، قبل أن يجري الاتّفاق على عامين فقط. وهذا ما سيُطرح لاحقاً للنقاش، ويفتح الباب أمام البحث في قانون الانتخاب، صيغة المجلس وتفاصيل التوازنات السياسيّة اللاحقة التي سترسم المشهد السياسيّ المقبل في البلاد.

2026: أزمة دولار ولا انتخابات نيابيّة .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...