بعد ست سنوات على اندلاع الأزمة المالية في لبنان خرج قانون الانتظام المالي إلى العلن بعد 17 تعديلًا أجري عليه على أن يصار إلى مناقشته في مجلس الوزراء اليوم الإثنين. إلا أن مشروع القانون هذا جاء مشوّهًا وغير عادل للمودعين وللمصارف في آن، وبمثابة كارثة جديدة قد تفوق بتداعياتها كارثة الانهيار نفسه القائم منذ أواخر العام 2019.
تعرّض مشروع قانون الفجوة المالية الذي أقرّته الحكومة إلى انتقادات من الطرفين الأساسيين المعنيين به: المودعون والمصارف، بالإضافة إلى بعض السياسيين الذين رأوا أنه يحتاج إلى تعديلات، ولا يمكن إقراره بالصيغة التي خرج بها. فالقانون بالنسبة إلى البنوك غير منصف رغم أن حصّة البنوك في عملية إعادة الأموال للمودعين تبلغ ظاهريًا وفق القانون نسبة 40 %، لكنها تتجاوز هذه النسبة بكثير لدى احتسابها بصورة فعلية.
ويشرح مصرفي لـ “نداء الوطن” أن “كلفة تسديد الودائع لغاية 100 ألف دولار للمودعين ستكلّف نحو 17 مليار دولار، حصّة مصرف لبنان منها إذا اعتبرناها بنسبة 60 % ستكون نحو 12 مليار دولار والتي هي عبارة عن الأموال التي أودعتها المصارف لدى مصرف لبنان. من هنا وفق تلك المعادلة تكون حصّة المصارف عمليًا من الـ 100 ألف دولار التي ستعاد للمودعين 100 %، فهل هذا عدل؟ أما الدولة فبقيت تغرّد خارج سرب إشراكها في إعادة أموال المودعين، وبذلك يبدو في الظاهر أن مصرف لبنان سيساهم بالحصة الأكبر ولكن من أموال المصارف التي لا تزال في حوزته”.
شهادات الإيداع
بالنسبة إلى شهادات الإيداع الواردة في القانون تحت بند “الباب السادس: حساب تسديد الودائع والشهادات المدعومة بأصول”، فإن مصرف لبنان سيصدر شهادات مالية تمثل رصيد الودائع المتوسطة والكبيرة والكبيرة جدًا على أن “تتحمّل المصارف نسبة 20 % من مسؤولية تسديد إصدار الشهادات المعززة بأصول”. ما أثار اعتراض المصارف أيضًا كون مصرف لبنان سيسدّد تلك الأموال على فترة 10 أو 11 سنة . وعمليًا حصة دين الدولة المترتبة للبنك المركزي ستسدّد على سنوات طوال ما يعني حسب المصدر نفسه “أن المصارف تدفع نسبة 80 % من الكلفة الإجمالية”.
المصارف غير قادرة على التسديد
من ناحية أخرى، أكّد المصدر المصرفي أن “المصارف غير قادرة على تسديد تلك المبالغ، وفي موازاة ذلك، مطلوب من البنوك اللبنانية إعادة رسملة مؤسساتها، في هذا المجال لن تجد البنوك مستثمرين يضخون أموالًا في مصارف تترتب عليها التزامات سلبية. فالأموال التي قد يحققها المصرف وتعتبر أرباحًا ستذهب لتسديد التزاماته القديمة، ما يعني أن القطاع المصرفي سيتم وفق قانون الانتظام المصرفي الحالي، تدميره بالكامل”.
لاتسوية تتخلّها دعاوى
إلى ذلك، أورد القانون أن الدعاوى المقامة من المودعين على المصارف ستبقى سارية، وهذه النقطة أثارت أيضًا اعتراض المصارف التي تعتبر أنه في التسويات لا يمكن استمرار إمكانية رفع دعاوى على المصارف بل يجب وقف العمل بها وتوفير الحماية للبنوك.
غموض في إعادة الـ 100 ألف دولار
كما أن القانون لم يحدّد ما إذا كانت وديعة الـ 100 ألف دولار التي ستردّ للمودعين ستتضمّن الأموال التي سحبت في السنوات السابقة وفق التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان أم لا، أو سيحتسب مبلغ الـ 100 ألف دولار بعد صدور قانون الفجوة المالية؟. في هذا الإطار، ترى المصارف أنه ليس عدلًا أن يحصل من سحب نحو 30 أو 40 ألف دولار من حساباته المصرفية، على 100 ألف دولار إضافية، فيما من لم يتقاض أمواله وفق التعميمين 158 و166 الصادرين عن مصرف لبنان سيحصل فقط على 100 ألف دولار.
المكافآت وأنصبة الأرباح
إلى ذلك ورد في قانون الفجوة المالية أنه “بالنسبة إلى المكافآت وأنصبة الأرباح المفرطة الموزعة على المساهمين وكبار موظفي المصارف:
يُصار إلى فرض غرامة بالدولار الأميركي بنسبة 30 % من قيمة هذه المكافآت وأنصبة الأرباح المفرطة، على أن تسدّد هذه الغرامة خلال فترة لا تتعدى الخمس سنوات من تاريخ نفاذ هذا القانون لصالح حساب تسديد الودائع لدى مصرف لبنان”.
حول تلك المكافآت، ترى المصارف أنه إذا تم تسديد غرامة 30 % على المكافآت، خلال فترة لا تتعدى الخمس سنوات من تاريخ نفاذ هذا القانون لصالح حساب تسديد الودائع لدى مصرف لبنان، لا بدّ من إعادتها إلى المصرف الذي خرجت منه لتستخدم في ميزانية البنك، فلماذا ستعود الغرامات إلى حساب في المصرف المركزي عمليًا؟
إلى ذلك لا يمكن فرض غرامات على مكافآت أعطيت في العام 2019 وسحبت وصرفت وتمّ إقفال الحسابات التي أودعت فيها.
ولا يمكن مساواة من حصل على مكافآت، بمن حصل على فوائد مرتفعة على حساب له لا يزال قائمًا حتى اليوم، كأن يكون على سبيل المثال لدى مودع حساب بقيمة مليون دولار وحصل على فوائد بقيمة 300 ألف دولار في الـعامين 2017 و 2018 عندها تحسم نسبة 30% من الحساب، أما للحسابات التي أقفلت أو حوّلت إلى الخارج فلا يشملها القانون.
هنا يسأل المصدر المصرفي كيف لن تقتطع ممن أقفل حسابه نسبة 30 % ومن حصل على bonus وأنفقها أو أصبحت خارج لبنان يطالَب بمفعول رجعي بنسبة 30 % من تلك المكافآت؟
وبرأي المصدر نفسه،”أن روحية القانون تقوم على المحاسبة على الأموال الموجودة في القطاع المصرفي وهنا يجب أن تعمّم على كل النقاط الموجودة في القانون أو لا يمكن إعادة نسبة 30 % من المكافآت فيما الحسابات التي حصلت على فوائد مرتفعة وأقفلت غير مشمولة بالقانون .
تقسيم الودائع
على صعيد تسديد الودائع كما ورد في الباب الرابع من القانون فقد جاء في المادة 8 منه ما يلي:
“الودائع الصغيرة التي تقل قيمتها عن 100 ألف دولار أميركي، تسدّد بالدولار الأميركي شهريًا أو فصليًا، وذلك وفقًا لاختيار صاحب الحساب، على مدى أربع سنوات، وتودع في حسابات حرة تستعمل بموجب شيكات أو حوالات مصرفية أو بطاقات ائتمانية، وذلك خلال شهر من تاريخ نفاذ هذا القانون.
الودائع المتوسطة التي تفوق مبلغ 100 ألف دولار وتصل لغاية مبلغ مليون دولار أميركي، تسدد وفقًا لما يلي:
أ- 100 ألف دولار أميركي: تسدد بالدولار الأميركي شهريًا أو فصليًا، وذلك وفقًا لاختيار صاحب الحساب على مدى أربع سنوات، وتودع في حسابات حرة تستعمل بموجب شيكات أو حوالات مصرفية أو بطاقات ائتمانية، وذلك خلال شهر من تاريخ نفاذ هذا القانون.
ب- يتم تسديد الرصيد المتبقي بموجب شهادات مالية مدعومة بأصول Asset Backed Securities من الفئة (A) التي سيتم إصدارها من قبل مصرف لبنان، وفقًا لأحكام الباب الخامس من هذا القانون.
الودائع الكبيرة التي تفوق مبلغ مليون دولار أميركي وتصل لغاية مبلغ خمسة ملايين دولار أميركي، تسدد وفقًا لما يلي:
أ- 100 ألف دولار أميركي: تسدد بالدولار الأميركي شهرياً أو فصلياً، وذلك وفقً لاختيار صاحب الحساب على مدى أربع سنوات، وتودع في حسابات حرة تستعمل بموجب شيكات أو حوالات مصرفية أو بطاقات ائتمانية، وذلك خلال شهر من تاريخ نفاذ هذا القانون.
ب- يتم تسديد الرصيد المتبقي بموجب شهادات مالية مدعومة بأصول Asset Backed Securities من الفئة (B) التي سيتم إصدارها من قبل مصرف لبنان، وفقًا لأحكام الباب الخامس من هذا القانون. – الودائع الكبيرة جدًا التي تفوق مبلغ خمسة ملايين دولار أميركي، تسدّد وفقاً لما يلي: أ- 100 ألف دولار أميركي: تسدد بالدولار الأميركي شهريًا أو فصليًا، وذلك وفقًا لاختيار صاحب الحساب على مدى أربع سنوات، وتودع في حسابات حرة تستعمل بموجب شيكات أو حوالات مصرفية أو بطاقات ائتمانية، وذلك خلال شهر من تاريخ نفاذ هذا القانون. ب- يتم تسديد الرصيد المتبقي بموجب شهادات مالية مدعومة بأصول Asset Backed Securities من الفئة (C) التي سيتم إصدارها من قبل مصرف لبنان، وفقًا لأحكام الباب الخامس من هذا القانون.
لمصرف لبنان، بناءً على المادة 70 من قانون النقد والتسليف، زيادة المبالغ النقدية، كما وتسريع وتيرة تسديد الودائع، وفي حالات استثنائية القيام بإعادة جدولة التسديد بناءً على قرار يتخذ في مجلس الوزراء، في ضوء تطور الوضع الاقتصادي والمالي العام في لبنان.
لغرض تطبيق أحكام هذه المادة، يعتبر بمثابة وديعة واحدة مجموع الحسابات الشخصية للمودع كما وحصته من حساباته المشتركة لدى جميع المصارف العاملة في لبنان، ويعتبر بمثابة الحساب الواحد كل حساب تركة وكل حساب مشترك مهما تعدد أصحابه، تتوزع الحسابات المشتركة بين أصحاب الحساب المشترك، وفقًا لشروط الاتفاقية الموقعة بينهم وبين المصرف المعني، وإلا بالتساوي بين أصحاب الحساب المشترك. إذا كان صاحب الحسابات المشتركة لا يملك حسابًا شخصيًا لدى المصرف، يعتبر مجموع حصصه في مختلف الحسابات المشتركة كوديعة واحدة، يقوم مصرف لبنان بتحديد دقائق تطبيق هذا البند.
المودعون : طارت أموالنا
من خلال رصد مواقف جمعيات المودعين، ومن خلال متابعة مواقف المودعين بشكل عام، يتضح وجود حالة غضب حيال المشروع الذي أنجزه فريق عمل رئيس الحكومة على عجل، وبأسلوب أقل ما يقال فيه، إنه يقضي على أموال المودعين.
من يستمع إلى المودعين، الصغار منهم والكبار، يدرك عمق الصدمة التي يشعر بها هؤلاء وخيبة الأمل بعد طول انتظار، وبعدما كانت الحكومة وعدتهم بحل عادل لقضيتهم المحقة، تبين اليوم أن الحكومة نأت بنفسها عن تحمّل المسؤولية، ولجأت إلى شطب الودائع بطريقة ملتوية لا تختلف كثيرًا عن الأساليب التي اتبعتها حكومات سابقة.
وفي الشارع، تسمع العبارة نفسها: الدولة أكلت أموالنا وحقوقنا، أخذت الدولارات وتريد أن تعطينا أوراقًا بلا قيمة، أو أن تحيلنا إلى مؤسسة ضمان الودائع. وفي الحالتين لن نحصل على الأموال.
هكذا تكون الحكومة نجحت في ضرب عصفورين بحجر واحد. حرمت المودع من أمواله وأكلت حقوقه، وحرمت الاقتصاد من قطاعه المصرفي، وقضت على أي أمل بالنهوض في المستقبل.
أخطر من الانهيار نفسه… “مشروع الفجوة”: مخطط قاتل للودائع والمصارف .





