تتجه الأنظار غدا إلى القصر الجمهوري في بعبدا حيث ينعقد مجلس الوزراء لمناقشة مشروع قانون الانتظام المالي، أو ما يعرف بقانون الفجوة المالية واسترداد الودائع، في جلسة تعد من الأكثر جدلية منذ بداية الانهيار المالي.
لا يكتفي المشروع بوضع إطار تقني لإدارة الخسائر، بل يلامس جوهر العقد المالي بين الدولة والمصارف والمودعين، ويحدد مسارا طويلا لإعادة تكوين الثقة المفقودة، في ظل ضغوط داخلية وخارجية، وفي مقدمها متطلبات صندوق النقد الدولي.
وقال مصدر وزاري لـ «الأنباء»: «يتمحور جوهر المشروع حول الاعتراف الكامل بحجم الفجوة المالية في مصرف لبنان والقطاع المصرفي، والانطلاق من مبدأ تراتبية تحمل الخسائر، وهو المبدأ الذي يشكل الأساس في أي عملية إصلاح مصرفي وفق المعايير الدولية. وينطلق هذا المبدأ من المساهمين ورؤوس الأموال الخاصة، ثم ينتقل إلى الدائنين الأعلى مرتبة، وصولا في المرحلة الأخيرة إلى المودعين، مع التشديد على أن الصياغة القانونية حرصت على تجنب أي توصيف مباشر لتحميل المودعين الخسائر، رغم أن النتائج العملية تجعلهم جزءا من المعادلة».
وأوضح المصدر أن «الخطوة الأولى في تنفيذ القانون تبدأ بإعادة تقييم شاملة لأصول مصرف لبنان من قبل شركة تدقيق دولية مستقلة، بهدف تحديد الحجم الفعلي للفجوة المالية. وعلى أساس هذه النتائج، تخضع المصارف العاملة في لبنان، كل على حدة، لمراجعة جودة الأصول، لتحديد الخسائر المحققة وانعكاسها على الرساميل والالتزامات، ويفرض المشروع إعادة رسملة المصارف وفق معايير «بازل-3»، ضمن مهلة قصوى لا تتجاوز خمس سنوات، ما يعني أن المصارف غير القادرة على الالتزام بهذه المتطلبات ستواجه إجراءات قانونية قد تصل إلى إعادة التنظيم أو الخروج من السوق».
وأشار المصدر إلى أن «أحد أكثر بنود المشروع دقة يتمثل فيما يعرف بتنقية الأصول غير المنتظمة، حيث ينص القانون على شطب أو إعادة تقييم فئات واسعة من الحسابات والعمليات التي اعتبرت مستفيدة بشكل غير مشروع من الأزمة. ويشمل ذلك التحويلات إلى الخارج بعد مواعيد محددة، والفوائد المدفوعة مسبقا الناتجة عن الهندسات المالية، والزيادات في الحسابات الناتجة عن التحويل من الليرة إلى الدولار على أسعار صرف متدنية، إضافة إلى القروض التجارية الكبرى التي سددت بالليرة».
ولفت إلى أن هذه الإجراءات تترافق مع فرض غرامات تصل إلى 30%، تحول عائداتها إلى حساب مخصص لتسديد الودائع، من دون أن يمنع ذلك الملاحقة القضائية عند الاقتضاء.
وفيما يتصل بالودائع، أوضح المصدر «أن المشروع يكرس مبدأ الوديعة الواحدة، عبر جمع جميع حسابات الشخص الواحد في مختلف المصارف ضمن رصيد موحد. ويسدد من هذا الرصيد مبلغ يصل إلى مائة ألف دولار نقدا على مدى أربع سنوات، وفق وتيرة شهرية أو فصلية، فيما يحول الجزء المتبقي إلى شهادات أو سندات مالية مدعومة بأصول يملكها مصرف لبنان. وتتدرج آجال هذه السندات بين 10 و15 و20 سنة، تبعا لحجم الوديعة، مع التزام بدفع نسبة سنوية دنيا من قيمتها الاسمية».
وتابع المصدر «مصرف لبنان والمصارف سيتقاسمان كلفة الدفع النقدي للودائع، على أن يتحمل المصرف المركزي الحصة الأكبر، بما لا يتجاوز 60% من الدفعات. ويعالج المشروع أيضا الإشكالية القائمة بين الدولة ومصرف لبنان حول الأموال التي يعتبرها المصرف ديونا مترتبة على الخزينة. وفي هذا السياق، يميل المشروع إلى تثبيت هذه المبالغ كأصول في ميزانية مصرف لبنان مقابل سندات دائمة على الدولة، مع تحميلها مسؤولية رسملة المصرف المركزي عند الحاجة».
وختم المصدر بالتأكيد على أن «مشروع قانون الانتظام المالي يشكل محاولة شاملة لوضع مسار قانوني واضح لمعالجة الانهيار، لكنه في الوقت نفسه يضع السلطة السياسية أمام اختبار صعب، يتمثل في الموازنة بين متطلبات الإنقاذ المالي والالتزامات الدولية، وبين الاعتبارات الاجتماعية وقدرة اللبنانيين، ولاسيما المودعين، على تحمل كلفة قرارات مؤلمة تأخر اتخاذها لسنوات».
قانون الانتظام المالي.. الحكومة توازن بين ضرورات الإنقاذ وكلفة القرار .






