تدفع حالة عدم اليقين إزاء اقتراب قرار إسرائيل توسيع الحرب على “الحزب” ولبنان اللّبنانيّين إلى التعلّق بحبال الهواء. يزيد التخبّط والتناقض في خطاب ومواقف القيادة الإيرانيّة، وبالتالي “الحزب”، من صعوبة تحقيق اختراق سياسيّ يلجم الأسوأ. وتصدم هذه القراءة المُبسّطة القائلين بأنّ التهديدات الإسرائيليّة تهويل لأنّهم يسمعون من الوسطاء ما يخالف هذا الوصف. وعلى الرغم من أنّ زيارة البابا ليو الرابع عشر أعطت دفعاً للتمنّيات بأن تتضافر عوامل دوليّة وإقليميّة لإعفاء لبنان من الأسوأ، يبقى التشاؤم غالباً.
يخترع بعض العارفين بحراجة الوضع اللبنانيّ الآمال يوميّاً ويسقطونها على البلد لعلّها ترضي رغباتهم يوماً آخر، فيتقلّبون في التوقّعات السلبيّة والإيجابيّة. يقول آخر التحليلات إنّ الإدارة الأميركيّة منشغلة الآن باحتمال الحرب على فنزويلا، وبالتالي لن تعطي الضوء الأخضر لبنيامين نتنياهو لشنّ حرب على لبنان.
لكنّ الخلاصة التي انتهى إليها مسؤولون أوروبيّون، ولا سيما في فرنسا، أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب تخالف منطق نتنياهو في استئناف الحرب في غزّة، لكنّها لن تخالفه إذا قرّر خوضها ضدّ “الحزب”. ومع تنبيهها لبنان إلى أنّ ما أنجزه الجيش على صعيد سحب سلاح “الحزب” جنوب الليطاني لا يكفي، تسعى الدبلوماسيّة الفرنسيّة وبعض العواصم الأوروبيّة، حسب مراقبين، إلى كسب الوقت. تقوم اتّصالاتها مع إدارة ترامب على الآتي:
بين توثيق الإنجازات… وتفهُّم الحساسيّات اللّبنانيّة
- مع الإقرار بوجوب استعجال السلطات اللبنانيّة تحقيق حصريّة السلاح، تكرِّر باريس الدعوة إلى عدم الاستخفاف بالحساسيّات الطائفيّة اللبنانيّة في مقاربة مسألة سحب سلاح “الحزب”، مقابل ما يحقّقه الجيش جنوب الليطاني.
تُقرّ فرنسا ببطء التنفيذ، لكنّها تسعى إلى إقناع واشنطن والدول المعنيّة بمراقبة تطبيق اتّفاق وقف الأعمال العدائيّة، بأهميّة التحقّق من أنّ الجيش يبلي بلاءً حسناً حتّى انتهاء مهلة إنجاز المرحلة الأولى (جنوب الليطاني) في 31 كانون الأوّل. وتنصح بالاعتماد على توثيق قوات “اليونيفيل” لسحب السلاح.
استبقت إسرائيل الأمر، حسب المعلومات المتداولة، بأن عرضت على اجتماع لجنة “الميكانيزم” لائحة بعدد من المنازل (تردّد أنّها تفوق مئتين) جنوب الليطاني يحتفظ فيها “الحزب” بأسلحة. وهذا ما تسبّب بخلاف أميركيّ مع قيادة الجيش حين رفضت الأخيرة دخول المنازل إذا لم تكن المعلومات عن تخزين الأسلحة فيها موثّقة.
ردّ الجيش على اتّهامه بمسايرة “الحزب” بفيديوهات توثّق سيطرته على أنفاق وأسلحة في الأحراج. وذلك على الرغم من أنّه كان وعد “الحزب” بعدم كشف ما يصادره للإعلام، مراعاةً لمعنويّات بيئته التي يواصل تعبئتها للاحتفاظ به. وهي تعبئة استنفرت الطائفة ضدّ استضعافها في المعادلة الداخليّة في وقت يهدف الثنائي الشيعيّ إلى الحفاظ على الأرجحيّة في التمثيل الشيعيّ في الانتخابات النيابيّة في أيّار المقبل.
التّعقيدات الإقليميّة وتشدّد عراقجي
- تدعو باريس الدول الشريكة لها في “الميكانيزم” وخارجها إلى الأخذ في الاعتبار التعقيدات الكبيرة، ولا سيما الإقليميّة، المحيطة بسحب السلاح، في ظلّ مواصلة إيران رفضها هذا الخيار. فالجانب الفرنسيّ يدرك مثل الفرقاء اللبنانيّين أنّ طهران تمارس نفوذها الحاسم داخل “الحزب” لقطع الطريق على أيّ تنازل من قبله شمال الليطاني.
لقيت صدّاً واضحاً المحاولةُ التي بذلها وزير الخارجيّة الفرنسيّ جان نويل بارو مع نظيره الإيرانيّ عبّاس عراقجي أثناء زيارته باريس الأربعاء الماضي. دعا بارو الوزير الإيرانيّ إلى أن تبذل طهران جهوداً إيجابيّة من أجل تجاوب “الحزب” مع سحب سلاحه من قبل الجيش على الأراضي اللبنانيّة كافّة.
خلافاً لقول عراقجي بإيجاز للصحافيّين إنّ بلاده لا تتدخّل في الشأن الداخليّ اللبنانيّ، كان حاسماً في رفض سحب سلاح “الحزب” خلال لقائه مع نظيره الفرنسيّ. وأثبت عراقجي في ردّه على بارو أنّ “الحزب” يستنسخ الحجج الإيرانيّة في رفضه التجاوب مع قرار الحكومة اللبنانيّة حصر السلاح.
قال لنظيره الفرنسيّ: كيف يتمّ نزع السلاح في وقت تواصل إسرائيل ضرباتها في لبنان وما تزال تحتلّ جزءاً من الأراضي الجنوبيّة، وتقتل ساعة تشاء؟ واعتبر أنّ سلاح “الحزب” يجب أن يبقى ما دامت إسرائيل تعتدي، فما هي الضمانة أن يكون هناك من يدافع عن لبنان في هذه الحال بمواجهة إسرائيل؟ وذهب إلى حدّ القول إنّ تجريده من السلاح سيتسبّب بحرب أهليّة ويؤدّي إلى تدمير البيئة الشيعيّة.
حاول بارو، في حوار متوتّر معه، إقناعه بأنّ ضمانة لبنان هي تنفيذ اتّفاق وقف الأعمال العدائيّة من جهة، وأنّ ضمانة “الحزب” هي تحوُّله إلى حزب سياسيّ والانخراط في العمليّة السياسيّة حتّى لا يخسر كلّ شيء في حال نفّذت إسرائيل تهديداتها. وأشارت المعطيات من باريس إلى أنّ الجانب الفرنسيّ أكّد أنّ الضمانات للطائفة الشيعيّة لا تتوقّف على السلاح، بل ستحصل على ضمانات سياسيّة واقتصاديّة عبر مساعدات ماليّة لإعادة الإعمار بشكل يحمي بيئة “الحزب” ودورها.
لكنّ عراقجي لم يأخذ بحجج بارو، فهو زار العاصمة الفرنسيّة لمحاولة تحريك التفاوض في الملفّ النوويّ، في ظلّ توقّف قنوات التواصل مع أميركا، ويتمّ تحرّكه على قاعدة رفض طهران، وفق ما أعلنه المرشد علي خامنئي، البحث في موضوعَي برنامجها الصاروخيّ وتمدّدها الإقليميّ، إذ تبقي على موقفها من مطلب التخلّي عن أذرعها المسلّحة في المنطقة غامضاً ومتقلّباً. والحصيلة إبقاء طهران “الحزب” ولبنان رهينة في يدها.
تفهُّم أكثر من أورتاغوس؟
على الرغم من أنّ طهران أقفلت الباب أمام المحاولة الفرنسيّة الأخيرة، ثمّة محطّة أخرى يراهن عليها البعض لعلّها تسمح بخفض احتمالات رفع كثافة الضربات الإسرائيليّة للبنان. وهذه المرّة يراهن بعض الأوساط على أن تسهم زيارة المستشارة الأميركيّة المكلّفة بملفّ لبنان، مورغان أورتاغوس، في تأجيل التصعيد الإسرائيليّ المقبل.
شعرت باريس بأنّ أورتاغوس، التي زارت باريس الأسبوع الماضي والتقت المستشارة الرئاسيّة آن كلير لوجاندر، تبدي تفهّماً أكثر للتعقيدات اللبنانيّة والإقليميّة المتّصلة بسحب سلاح “الحزب” على الأراضي اللبنانيّة كافّة. وستظهر صحّة هذا الشعور خلال مشاركتها، في الساعات المقبلة، في اجتماع لجنة “الميكانيزم” في مقرّ قيادة القوّات الدوليّة في الناقورة. فهل تصبح الموفدة الأميركي ة، المعروفة بانحيازها إلى داعمي إسرائيل في الكونغرس الأميركي ، أحد حبال الهواء التي يتعلّق بها لبنان لتأجيل توسيع إسرائيل حربها عليه؟
طهران تُحبط مسعى فرنسا لإبعاد الحرب عن لبنان .







