على الرغم من تطمينات المسؤولين اللبنانيين المتكرّرة إلى أنّ الانتخابات النيابية ستُجرى في موعدها؛ أي في أيار المقبل، إلّا أنّ المعركة الدائرة حول التعديلات المطروحة على القانون لا توحي بأنّ الأمور تسير بسلاسة، وأنّ كلّ العراقيل وُجدت لها حلول.
والأخطر من ذلك أنّ ملامح المعركة لم تعد بين القوى السياسية؛ أي الثنائي الحزبي الشيعي و”التيار الوطني الحرّ” من جهة، والفريق السيادي من جهة أخرى؛ بل باتت المسألة تمرّ في منعطفٍ خطير، بعد أن أقرّ مجلس الوزراء مشروع القانون المعجّل المكرّر، الذي يقضي بتعليق العمل بالمواد المتعلّقة بالمقاعد الستة المخصّصة للمغتربين، وتمديد مهلة تسجيلهم حتى 31 كانون الأول المقبل.
ويبدو أنّ الرئيس برّي ليس في وارد تحديد موعد لجلسة عامة تهدف إلى إقرار التعديلات الحكومية، وهذا ما قد يؤدّي إلى تصادمٍ بين الحكومة والمجلس النيابي!
لكنّ السؤال الأساسي اليوم: هل يستطيع الرئيس برّي ألّا يدعو إلى جلسة للهيئة العامة بغية التصويت على القانون المعجّل المكرّر الذي يتضمّن تعديلات معيّنة؟
يُجيب الخبير القانوني والدستوري سعيد مالك:“يُفترض بالرئيس برّي أن يدعو إلى جلسة للهيئة العامة للتصويت على مشروع القانون المعجّل الذي وصله من مجلس الوزراء. وبالتالي، إذا لم يُحدَّد موعد جلسة لبتّ مشروع التعديل وإقراره والتصويت عليه، مشروع التعديل، فإنّ ذلك يعني أنّ برّي يُصادر السلطة التنفيذية بعد أن صادر السلطة التشريعية، وعرقل عمل الحكومة لجهة الدور المناط بها في إجراء الانتخابات النيابية، ولا سيّما أنّها أقرّت بأنّها غير قادرة على إجراء الانتخابات وإنجازها استناداً إلى أحكام القانون الحالي، وهو ما يفرض تعديلاً، وهذا ما يرفضه الرئيس برّي”.
محاسبة رئيس المجلس
في المقابل، تؤكّد مصادر برّي أنّه يستند إلى المادتين 26 و105 من النظام الداخلي لمجلس النواب، اللتين تمنحانه صلاحيةً تقديريةً واسعة في التعامل مع مشاريع القوانين المعجّلة، سواء بإحالتها إلى اللجان المتخصّصة أو بتجميدها؛ إذ لا تبدأ مهلة الأربعين يوماً الدستورية، إلّا بعد إدراج المشروع على جدول أعمال الجلسة العامة وتلاوته رسمياً.
وهذا يعني عملياً أنّ المجلس غير ملزَمٍ زمنياً بالبتّ في المشروع، وهو ما يمنح برّي مساحةً كافية للمناورة والتريّث السياسي، خصوصاً أنّه غير مقتنعٍ بتصويت المغتربين لـ128 نائباً، معتبراً أنّ ذلك يستهدف مكوّناً أساسياً في البلد، ألا وهو الطائفة الشيعية، ويُخلّ بالتوازن السياسي الداخلي.
ولا شكّ في أنّ الرئيس برّي يستند، من حيث المبدأ، إلى مواد النظام الداخلي لمجلس النواب، التي لا تُلزمه بطرح مشروع القانون على جدول أعمال أوّل جلسة.
لكنّ مالك يلفت إلى أنّ هذا الأمر سيؤدّي إلى شلّ عمل الحكومة، وهو ما يتناقض مع مبدأ فصل السلطات وتعاونها وتوازنها. ويُوافق على أنّ النصّ، كونه مستمداً من المادة 58 من الدستور، لا يُلزم بطرح المشروع في الجلسة الأولى التي ستُعقد، إلّا أنّ روح الدستور تؤكّد أنّه لو لم تكن هناك عجلة لما لجأ مجلس الوزراء إلى هذه الخطوة، وذيّل مشروع القانون بصفة “المعجّل”، والهدف هو تمكين الحكومة من إنجاز الاستحقاق المترتّب في ذمّتها.
وانطلاقاً من هذا الواقع، بدأت جهات سياسية معارضة لنهج برّي تسأل عن المواد الدستورية التي تسمح بمحاسبته. إلّا أنّ مالك يؤكّد أنّه لا وجود لمادة في الدستور تنصّ على محاسبة رئيس مجلس النواب؛ إذ لا تنطبق عليه أحكام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. والجهة الوحيدة التي تستطيع محاسبته ومساءلته تتمثّل برئيس الجمهورية جوزاف عون عبر الصلاحيات الممنوحة له، كونه حامي الدستور والمؤتمن عليه.
ويعتبر مالك أنّ من البديهي عندما يطيح الرئيس برّي كلّ المفاهيم الدستورية من أجل حساباتٍ خاصة وضيّقة، أن يستدعي ذلك تدخّل رئيس الدولة للقيام بمهامه في المحافظة على الدستور. ويكون ذلك عبر توجيه رسالة إلى مجلس النواب عملاً بأحكام الفقرة 10 من المادة 53 من الدستور.
وعلى خطٍّ موازٍ، ستستكمل الأكثرية النيابية معركتها ضدّ برّي، لأنّها تعتبرها معركة حقّ، وتؤكّد مصادرها أنّه “لا يموت حقّ وراءه مطالب”.
القوات ومسؤولية التعطيل
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الثنائي الحزبي الشيعي يُحمّل “القوات اللبنانية” مسؤولية تعطيل الانتخابات، معتبراً أنّها قاطعت اللجنة النيابية المكلّفة درس القوانين وتعديلها.
لكنّ مالك يرى أنّ تكتّل «الجمهورية القوية» أصاب عندما عارض استمرار هذه “المهزلة” في اللجنة المنبثقة عن اللجان المشتركة في المجلس النيابي، وقرّرعلى نحوٍ حاسمٍ الذهاب إلى الهيئة العامة، لافتاً إلى أنّ التعديلات المقترحة لا تُبحث في اللجان الفرعية؛ بل في الهيئة العامة.
والمعلوم أنّ اللجنة التي يتحدّث عنها الثنائي بدأت عملها منذ أيار الفائت واستمرّت ستة أشهر من دون نتيجة، مع الإشارة إلى أنّ المادة 38 من النظام الداخلي لمجلس النواب تفرض على اللجان أن تُنهي عملها خلال شهرٍ واحد بالنسبة إلى اقتراحات القوانين العادية، وخلال 15 يوماً بالنسبة إلى القوانين المعجّلة المكرّرة، وهذا ما يعني أنّ المدّة المسموح بها لعمل هذه اللجنة انقضت، وليس هناك مفرّ من طرح اقتراحات التعديل على القانون أمام الهيئة العامة.
أمام هذا الواقع، تبدو الانتخابات النيابية ومواعيدها مهدّدة بقوّة، وفقاً لمالك، خصوصاً إذا لم يُصَر إلى إدخال تعديلاتٍ على القانون الذي أصرت عليه الحكومة، لأنّها عاجزة عن إجراء الانتخابات من دونه.
وبالتالي، إذا استمرّ رئيس المجلس في تعنّته بعدم البتّ بموضوع التعديلات التي أرسلتها الحكومة بواسطة قانونٍ معجّلٍ مكرّر، فسيؤدّي ذلك تلقائياً إلى وضع الانتخابات في خطرٍ داهم، وهذا ما يفتح الباب أمام التمديد للمجلس النيابي الحالي.
المعركة حول القانون تضع الانتخابات في خطر! .






