“الأمين العام” أقوى من “الملك”

في التراتبية، الرسمية والحزبية والعسكرية والوطنية، يُفترض أن يكون الملك، ترتيبًا، أعلى مقامًا من الأمين العام، لكن في الحال اللبنانية، الأمر مقلوبٌ، كما كل شيء، ما أثار هذا الموضوع أن “الأمين العام”لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، بدا أهم من الوزير “الملك” وزير التنمية الإدارية فادي مكي! لماذا؟ لأنه بكل بسلطة هو الذي يأمر من طاولة قيادة “الحزب” فيُطاع على طاولة مجلس الوزراء، وهكذا فإن لا فارق بين الشيخ نعيم قاسم وبين الوزير فادري مكي، سوى أن الأخير يرتدي ربطة عنق، لكن في مضمون الموقف يمشي بما يقرره الأمين العام لـ “الحزب” وليس مجلس الوزراء مجتمعًا، سواء برئاسة رئيس الجمهورية أم برئاسة رئيس الحكومة.

بدعة “الوزير الملك” حبلُها قصير، منذ أيام وزير الدولة الدكتور عدنان السيد حسين، اختاره رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان لئلا يقال إن رئيس الجمهورية لا يسمي إلا مسيحيين، وكان الرهان على أنه لا يستقيل إذا استقال وزراء ثنائي “حزب الله” و”حركة أمل”، لكنه خذل رئيس الجمهورية بعدما تلقى اتصالًا هاتفيًا من أحد المسؤولين في “حزب الله” تمنى عليه أن يقدِّم استقالته، بعدما نقل إليه “تحيات” الأمين العام، وما هي إلا دقائق حتى نُشِر خبر في الوكالة الوطنية للإعلام يقول إن الوزير عدنان السيد حسين قدَّم استقالته.

أوجه شبه كثيرة بين عدنان السيد حسين وفادي مكي، غير ربطة العنق طبعًا، يعرفان أنهما لا يستطيعان مخالفة مشيئة “حزب الله”، عدنان السيد حسين كوفئ بأن عُيِّن رئيسًا للجامعة اللبنانية، ومَن يدري، فقد يكون هناك منصب ينتظر الوزير فادي مكي، بعد استقالة هذه الحكومة.

تجربتا السيد حسين ومكي، تؤكدان أن الوزير الشيعي الملك، يجب أن لا يتكرر، لأنه يدخل “ملكًا”، وعندما يصير في الداخل، يُصبح ملتزمًا ما تقرره عين التينة أو حارة حريك، أو الاثنتان معًا.

حين تشكيل هذه الحكومة، تلاحقت السرديات عن كون الوزير مكي، لا يستمع إلا إلى ما يقرره مجلس الوزراء، لكن مَن صدَّق هذه السرديات كان إما بسيطًا وإما هاويًا في السياسة، ففي الحسابات اللبنانية، رتبتا “الأمين العام” و”الأستاذ” أهم من رتبة “الملك” التي لا تُصرَف على طاولة مجلس الوزراء، والشواهد كثيرة.

هذا الواقع يوصِل إلى الاستنتاج التالي: لا بد من “تحرير”العقلية اللبنانية من أوهام تتحوَّل إلى ثوابات لكن في حقيقة الأمر تبقى أوهامًا. الحقيقة هنا أن وزراء “الثنائي” خمسة وليسوا أربعة، ومَن أراد التأكد أكثر، لينتظر قرارًا أو تصويتًا في مجلس الوزراء، وليحتسب الأصوات، فسيظهر له أن الوزير مكي إما يغادِر تضامنًا مع الوزراء الأربعة، وإما ينتظر “التعليمة” على غرار “التعليمة” التي انتظرها سلفه “الملك السابق” الدكتور عدنان السيد حسين.

“الأمين العام” أقوى من “الملك” .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...