مَن أوحى لقاسم بضرورة الانفتاح على السعودية؟

ما يقوله الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم في إطلالاته التلفزيونية عن دور “المقاومة الإسلامية” في مواجهة إسرائيل ليس مستغربًا ولا فيه أي جديد يمكن البناء عليه للمرحلة الآتية. ولكن ما هو مستغرب وجديد في الوقت ذاته هو دعوته المملكة العربية السعودية إلى فتح صفحة جديدة من ضمن أسس محدّدة وتشمل النقاط الآتية:
-حوار يعالج الإشكالات ويجيب عن المخاوف ويؤمن المصالح.
-الحوار مع السعودية يجب أن يبنى على أن إسرائيل هي العدو وليست المقاومة.
-تجميد الخلافات التي مرت في الماضي على الأقل في هذه المرحلة الاستثنائية من أجل مواجهة ولجم إسرائيل.
-التأكيد أن سلاح المقاومة موجه ضد العدو الإسرائيلي وليس لبنان ولا السعودية ولا أي جهة في العالم.
-إن الضغط على المقاومة يعني ربحاً صافياً لإسرائيل، وأن غياب المقاومة يعني أن الدور سيأتي على الدول.
-أن المقاومة في فلسطين هي جزء من هذه المقاومة وتعتبر سداً منيعاً أمام التوسع الإسرائيلي.
المعروف أن الرياض التي وقفت دائمًا إلى جانب لبنان في خلال أزماته السياسية والاقتصادية انطلقت دائمًا من مسلمات وثوابت لم تحد عنها منذ ما قبل مؤتمر الطائف وبعده. فالسياسة السعودية تجاه لبنان كانت ثابتة ولم يطرأ عليها أي تغيير إلا عندما غيّر بعض القوى على الساحة اللبنانية نظرتهم إلى العلاقة التاريخية بين الدولتين، والتي كانت قائمة على أساس المصالح المشتركة، وحرص المملكة على وحدة اللبنانيين وسيادتهم وحريتهم.
فالمسؤولون السعوديون لم تربطهم أي علاقة مباشرة مع أي طرف لبناني داخلي إلاّ وفق ما كانت وجهات النظر متقاربة في ما له علاقة بانتظام الحياة اليومية للبنانيين من ضمن الاحترام المتبادل. وكانت علاقة الرياض محصورة بالدولة اللبنانية، ولم تكن يومًا تنظر إلى لبنان إلاّ من خلال ما كان يربط بينهما من مصالح عربية مشتركة في إطار جامعة الدول العربية والاجماع العربي.
فالسعودية لم تقف مع أي طرف لبناني ضد طرف آخر، ولم يكن لديها ما كان لغيرها من نفوذ على الساحة اللبنانية، وإن كانت تؤيّد الذين كانوا ينادون بالسيادة والحرية والكرامة. وليس لديها عداوات مطلقة مع أي فريق، وهي ليست في حاجة إلى أن تفتح أي صفحة جديدة مع أي فئة لبنانية، وذلك انطلاقًا من حرصها على أن تكون علاقاتها مباشرة مع الدولة اللبنانية. فهي تؤيد وتدعم مطلب حصرية السلاح بيد القوى الشرعية اللبنانية، وهي ضد ما يتعرّض له لبنان من اعتداءات يومية على يد إسرائيل، وضد أي مشروع لبناني غير توحيدي، وضد أن يكون القرار اللبناني مجيّرًا لمصالح خارجية لا تتوافق على مشروعيتها أغلبية اللبنانيين.
فما يدعو إليه الشيخ نعيم قاسم لا يمكن “تقريشه” إلا من ضمن رؤية تصّب في خانة محاولات خارجية لاستثمارات إقليمية ليس لها أي علاقة بمصلحة لبنان مباشرة، أي بمعنى أن المطالبة بفتح صفحة جديدة مع المملكة السعودية لا يمكن فهم انطلاقاتها إلاّ بما يؤّمن للنظام

الإيراني ما يحتاج إليه من أدوات ضغط في مفاوضاته غير المباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، وذلك لكي يضمن حصتّه من تقاسم النفوذ في المنطقة، ومن دون معاداة الرياض في ما يسعى إليه من مكاسب، حتى ولو كانت هذه المكاسب تُقاس بـ “القطارة” بعد سلسلة الهزائم، التي تعرّضت لها إيران وحلفاؤها.

فالشيخ قاسم يعرف كما غيره بأن المملكة لم تقفل أبوابها في وجه أحد، وهي منفتحة على كل الطروحات، التي يمكن أن تساهم في تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي من جهة، ومساعدة الدولة اللبنانية على استعادة ما فقدته من رصيدها السياسي والأمني والاقتصادي من جهة ثانية.
لا شك في أن هذا التطور المفاجئ في كلام قاسم، هو حتمًا انعكاس لمناخ إقليمي ودولي.  ولا يمكن أن يكون هذا الموقف الجديد منفصلًا عن اللقاء الذي جمع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وما تبعه لاحقًا، حيث قام أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني بزيارة للرياض. ولا يُستبعد بأن الملف اللبناني وتعقيداته كان حاضراً بقوة خلال هذه الزيارة، خصوصًا أن ما جاء في تصريح لاريجاني عن أن إيران حريصة على الاستقرار في لبنان، وتحترم قرارات الدولة اللبنانية، يؤكد أن هذا الملف كان من صلب محادثاته مع المسؤولين السعوديين في الرياض.
ولا يُستبعد أن يكون لاريجاني هو من أوحى لقاسم بأن يتطرق إلى موضوع فتح صفحة جديدة مع السعودية.
Follow
Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...