بعد الجولة الميدانية، التي نظمتها قيادة الجيش لعدد من السفراء والديبلوماسيين العرب والأجانب، على أكثر من موقع في المنطقة الجغرافية الواقعة جنوب نهر الليطاني، وبعد الانطباعات التي تكوّنت لدى هؤلاء الديبلوماسيين بعد الشروحات التي قدمها قائد الجيش العماد رودولف هيكل عن المهام التي أدّاها الجيش تنفيذًا للخطة الموضوعة في شأن حصرية السلاح في مرحلتها الأولى، تتجه الأنظار إلى التقرير المفترض أن يُرفع إلى
مجلس الوزراء إمّا في آخر جلسة له في العام الحالي وإمّا في أول جلسة يعقدها في العام 2026 عشية الذكرى الأولى لانتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية بعد فراع في سدّة الرئاسة الأولى دام سنتين وثلاثة أشهر.
لم تكتفِ قيادة الجيش بتنظيم جولة للإعلاميين في منطقة جنوبي الليطاني، لاطلاعهم على حقيقة ما أنجزته في إطار تطبيق خطة حصر السلاح، دحضًا لادعاءات الإسرائيليين بأنّ الجيش مقصّر في مهمّته، بل استتبع ذلك بجولة أخرى في المنطقة ذاتها، لعدد من السفراء والملحقين العسكريين العرب والأجانب.
فما قاله العماد هيكل أمام أعضاء الوفد الديبلوماسي من أنّ استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من الأراضي اللبنانية ومواصلة الاعتداءات، هما اللذان يعوقان استكمال تنفيذ المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح في نطاق جنوبي الليطاني، لم يفاجئ أعضاء الوفد، الذين كانوا يتوقعون هذا الشرح، من دون أن يعني ذلك أن بعض أعضاء الوفد اقتنعوا بهذا التبرير، لأنهم يعتقدون جازمين أن عدم حصر السلاح في يد القوى الشرعية في شكل تام ونهائي في هذه المنطقة الحسّاسة قد لا يساعد كثيرًا على الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة الجيش، مع تزايد الحديث عما سبق لتوم براك أن طرحه من أمر اعتبره كثيرون بأنه مستغرب، إذ قال “ليس من الضروري نزع السلاح، إنما الهدف هو منع استعماله”، أي بمعنى آخر تعطيل وجهة استعماله. وبغض النظر عمّا إذا كان هذا الموقف هو محض شخصي لا يعبّر سوى عن وجهة نظر الموفد الأميركي، فإن السؤال الذي يطرح أكثر من طرف دولي وعربي ولبناني يتعلق بالمرحلة الثانية من خطة الجيش في حال لم تنتهِ المرحلة الأولى بالكامل.
وعلى رغم تأكيد رئيسُ الحكومة نواف سلام امس” أنَّ المرحلة الثانية من خطة الجيش لحصر السلاح والمفترض أن تبدأ قريباً، ستكون بين ضفتي نهر الليطاني جنوباً ونهر الأولي شمالاً، فيما ستكون المرحلة الثالثة في بيروت وجبل لبنان، ثم الرابعة في البقاع، وبعدها بقية المناطق”، فان ما يمكن توقّعه هو أن يكون الوضع شمال الليطاني أكثر تعقيدًا وحساسية في حال لم ينجح الجيش في استكمال تنفيذ المرحلة الأولى جنوب الليطاني، وذلك على المستويات الآتية:
أولًا، على المستوى الأمني، حيث سيُنظر إلى أي تعثّر جنوب الليطاني على أنه فشل في تثبيت نموذج السيطرة الشرعية، ما يفتح الباب أمام انتقال الضغوط الإسرائيلية من الجنوب إلى الشمال، ليس بالضرورة عبر اجتياح مباشر، بل من خلال توسيع بنك الأهداف، وتكثيف الضربات الجوية، ورفع مستوى الاستنفار على امتداد الخط بين الليطاني وشماله. وبذلك يتحوّل شمال الليطاني إلى منطقة تماس غير معلنة بدلاً من أن يكون عمقًا خلفيًا آمنًا.
ثانيًا، على المستوى السياسي والدولي، إذ أن عدم إنجاز المرحلة الأولى بالمواصفات المطلوبة دوليًا من شأنه أن يضعف الموقف اللبناني أمام لجنة “الميكانيزم” والجهات الراعية، وخصوصًا الولايات المتحدة وفرنسا، وسيُترجم عمليًا بتراجع منسوب الثقة الدولية بقدرة الدولة على الالتزام بتعهداتها. وهذا يعني أن شمال الليطاني قد يصبح موضع نقاش دولي مباشر كمنطقة يجب ضبطها لاحقًا، لا كخط أحمر سيادي غير مطروح.
ثالثًا، على المستوى العسكري، إذ أنه في حال لم يستطع الجيش الإمساك بالوضع الأمني في الجنوب الليطاني من وجهة النظر الأميركية، فإنه يُحاصر بخيارين أحلاهما مرّ، وهما إمّا توسيع انتشاره شمالًا في ظروف سياسية وأمنية غير مؤاتية، وإمّا القبول بأمر واقع يجعل من شمال الليطاني ساحة احتياط عملياتي، ما يعرّضه لضغوط متزايدة وربما لاشتباكات غير محسوبة.
رابعًا، على المستوى الداخلي، بحيث سيترافق ذلك مع ارتفاع منسوب الانقسام الداخلي حول دور الجيش وحدود مهمته، وقد يُعاد طرح معادلة “الأمن مقابل الاستقرار السياسي”، ما يُضعف الغطاء الوطني للمؤسسة العسكرية ويُربك بيئتها الحاضنة، خصوصًا في المناطق الواقعة شمال الليطاني.
فإذا لم تُنجَز المرحلة الأولى جنوب الليطاني، “كما تشتهي السفن المحلية لا كما تجري الرياح الدولية والإقليمية” فإنه يُخشى ألا يبقى شمال الليطاني خارج دائرة الخطر، بل سيتحوّل تدريجيًا من خط حماية إلى خط اختبار جديد، سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا. وعندها، لن يكون السؤال: هل تنتقل الأزمة شمالًا، بل متى وبأي كلفة؟
ماذا بعد جنوب الليطاني؟ .






