لبنان يثبت خيار التفاوض دفاعاً عن السيادة لا تنازلاً عنها

في لحظة إقليمية بالغة الخطورة، يجد لبنان نفسه أمام مفترق دقيق بين التمسك بخيار التفاوض كوسيلة لحماية حدوده وتثبيت وقف إطلاق النار، وبين الاتهامات التي تسعى إلى تصوير هذا الخيار على أنه خطوة نحو التطبيع أو تنازل عن الثوابت الوطنية، والتي استدعت موقفا رسميا متماسكا أعاد التأكيد على أن التفاوض عبر الآلية الدولية المعروفة بلجنة مراقبة وقف اطلاق النار «الميكانيزم»، بالقول انه مسار سيادي يرعاه اتفاق دولي يحظى بإجماع الدولة ومؤسساتها الدستورية.

وقال مصدر سياسي بارز لـ«الأنباء»: «ينطلق الموقف الرسمي اللبناني من قراءة دقيقة لموازين القوى الدولية والإقليمية، ومن فهم واقعي لطبيعة المرحلة التي فرضت إدارة النزاع مع إسرائيل من داخل الأطر الديبلوماسية لا خارجها. والآلية الدولية التي وضعت بإشراف الأمم المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا لا تشكل بابا للتطبيع، بل وسيلة تقنية لضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في نوفمبر 2024، والذي نص على التزامات متبادلة لم تلتزم إسرائيل بمعظمها حتى الآن».

ورأى المصدر أن ما يميز الموقف اللبناني الحالي هو «الانسجام الكامل بين الرئاسات الثلاث حول هذا الخيار، ما يمنح الدولة قوة تفاوضية متقدمة ويقطع الطريق أمام أي محاولات لاستفرادها أو شق صفها الداخلي، وان التمسك بالآلية لا يعني قبولا بالشروط الإسرائيلية أو الأميركية، بل هو تأكيد على أن لبنان، برئاسته وحكومته ومجلسه النيابي، يتحدث بصوت واحد دفاعا عن حقه في السيادة والاستقرار».

واعتبر أن «الرد على الاتهامات بالتطبيع جاء عمليا من خلال التشديد على رفض أي مسار خارج هذه الآلية، وعلى أن النقاش ليس حول طبيعة الصراع، بل حول كيفية إلزام إسرائيل بوقف اعتداءاتها والانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة، وان رئيس الجمهورية العماد جوزف عون عبر بوضوح عن هذا التوجه حين أكد التزام لبنان باتفاق وقف الأعمال العدائية، مشيرا إلى أن إسرائيل لاتزال تحتل تلالا جنوبية وتضاعف من غاراتها، ما يجعل التفاوض عبر اللجنة الدولية واجبا وطنيا لا خيارا سياسيا».

أما في مقاربة موقف الحكومة، فأشار المصدر إلى أن رئيسها د. نواف سلام «وضع النقاط على الحروف حين أكد أن قرار الحرب والسلم هو في يد الدولة وحدها، وأن المرحلة الراهنة تتطلب توحيد المرجعية الأمنية والعسكرية والسياسية تحت سقف الشرعية، مع المضي في خطة حصر السلاح بيد الدولة ضمن مسار وطني شامل يبدأ من الجنوب. وهذا الموقف يعكس إرادة واضحة باستعادة المبادرة من داخل مؤسسات الدولة، بما يعزز موقع لبنان التفاوضي ويعيد رسم العلاقة مع المجتمع الدولي من موقع الندية لا التبعية».

وتابع المصدر قائلا: «التمسك بالآلية الدولية لا يقتصر على بعدها العسكري، بل يندرج في رؤية متكاملة لإعادة إدماج لبنان في محيطه العربي والدولي، ولبناء شبكة أمان سياسية واقتصادية قادرة على حماية الاستقرار الداخلي، وأن عودة لبنان إلى العرب وعودة العرب إلى لبنان جزء من مسار ديبلوماسي هدفه تثبيت الهوية العربية للبنان، ومنع انزلاقه إلى عزلة مكلفة في زمن التحولات الإقليمية الكبرى».

واتضح أن الموقف الرسمي اللبناني من التفاوض لا يعبر عن انقسام، بل عن محاولة واعية لترسيخ منطق الدولة في إدارة الصراع. فلبنان، الذي خبر ويلات الحرب ويدرك كلفة الانقسام، يختار اليوم الديبلوماسية الواقعية لا الانهزامية، متمسكا بخياره التفاوضي كأداة دفاع عن السيادة، وكمدخل لاستعادة الاستقرار من موقع الندية والثبات الوطني.

لبنان يثبت خيار التفاوض دفاعاً عن السيادة لا تنازلاً عنها .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...