لبنان و”القدَر” الأميركي: “وحدة مسار ومصير” تفاوضية مع سوريا

كلما تقدم لبنان خطوة، يفاجأ بموقف أميركي أو إسرائيلي غير متوقع ولا يبدو منطقياً. في اللحظة التي أعلن فيها رئيس الجمهورية جوزاف عون أن الخيار الوحيد المتاح أمام لبنان هو التفاوض، وإبداء الاستعداد لذلك، عاجله الموفد الأميركي توم باراك بموقف جديد يقول فيه: “فليتصل رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويعملان على معالجة كل الرواسب”. ووفق ما تكشف مصادر متابعة، فإنها ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها باراك عن هذه الفكرة؛ بل هو طرحها من قبل في بعض المجالس المغلقة، وقال: لا بد من عقد لقاء بين الرئيس جوزاف عون ونتنياهو. وهي فكرة رُفضت لبنانياً رفضاً قاطعاً.

 

الذهاب أبعد من الميكانيزم

وافق لبنان عملياً على الدخول في مفاوضات تقنية عبر لجنة الميكانيزم، مع توسيعها لتضم مدنيين. ولكن من الواضح أن ذلك لا يرضي الإسرائيليين الذين يريدون مفاوضات سياسية يكون لها أبعاد على المستويين السياسي والأمني. فسياسياً، تريد تل أبيب الانتقال بالعلاقة مع لبنان إلى مستوىً جديد. وأما أمنياً فهي تريد فرض وقائع عسكرية جديدة وصولاً إلى تنسيق أمني مشابه للتنسيق الأمني الذي كان يشمله اتفاق 17 أيار 1983. وفي هذا السياق، ووفق ما تشير مصادر ديبلوماسية، فإن الإسرائيليين يصرون على التفاوض ومواصلة التصعيد العسكري ضد حزب الله ولبنان، من أجل الضغط عليهما ودفعهما إلى تقديم المزيد من التنازلات.

 

في انتظار عيسى 

لم يعد اللبنانيون قادرين على التمييز، مع أيّة جهة أو مرجعية في الولايات المتحدة الأميركية يمكنهم أن يتواصلوا، وعلى رأي من يمكنهم أن يرتكزوا. يومياً تصدر تصريحات مفاجئة على لسان الموفد توم باراك، الذي يبدو أنه شارف على ترك الملف اللبناني. إلا أنه يعبّر بصدق عن تفكير الإدارة الأميركية. وهو قال أساساً خلال مشاركته في حوار المنامة إنه يشرح رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وفي الوقت الذي يستعد فيه باراك للمغادرة، يُكثر من التصريحات الصادمة والصاعقة. وأما الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس فتواصل متابعتها للملف بوصفها مستشارة البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ومنسقة لجنة المراقبة لوقف النار، الميكانيزم. وأما لبنان فهو يفضل حالياً انتظار وصول السفير الأميركي ميشال عيسى لمعرفة رأيه وتوجهاته، مع العلم أن عيسى أكثر من الحديث في واشنطن عن ضرورة الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وهو الذي يريد تحقيق إنجاز خلال أشهر قليلة في لبنان، تكون مرحلته الأولى في مسار التفاوض ورسم ملامح اتفاق بحلول رأس السنة، وأما مرحلته الثانية فتكون بالانتهاء من ملف سحب السلاح قبل الوصول إلى الانتخابات النيابية. 

 

المقاولات لا الروابط العاطفية

يحاول لبنان أن يراهن على اختلافات بين المبعوثين وتوجهاتهم. ولكن، حتى الآن، هذا الرهان لم ينجح. ومنذ الحديث عن تغيير أورتاغوس سابقاً، راهن اللبنانيون على باراك وأصوله اللبنانية، لكنهم اليوم باتوا ينتظرون مغادرته، وتسلم السفير الجديد مهامه، وهو من أصل لبناني أيضاً. وربما تقوم السياسة في لبنان والمنطقة المحيطة، في بعض وجوهها، على الرابطة العاطفية أو الشخصية، إلا أنها لا تبدو كذلك بالنسبة إلى الأميركيين، وبالتحديد مع إدارة مشابهة لإدارة دونالد ترامب. فالسياسة لا تبدو خاضعة لقواعد ديبلوماسية أو لما ينظم العلاقات بين الدول؛ بل تنطلق من جملة عناصر تتصل بعالم المقاولات. وحتى المفاوضات تُخاض كأن الهدف من ورائها هو إبرام صفقة لشراء أرض، كما فكر باراك ذات يوم عندما زار مزارع شبعا للاطلاع عليها ومعرفة ماهيتها وطبيعة تضاريسها، وعندما وصل إليها قال: “هل هذه هي الأرض التي يتقاتلون عليها منذ عقود؟ هي أرض لا تبدو صالحة، وكلها منحدرات”. وكان باراك يفكر في استثماره الشخصي هناك، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى مقاربة الإدارة الأميركية لكيفية إعادة إعمار غزة، أو لما يسمونه اليوم منطقة اقتصادية في جنوب لبنان. 

 

باراك والرهان على سوريا

باراك، الذي يبدو أنه مسكون بالتاريخ، ويقدم قراءات تاريخية كثيرة عن بلاد الشام والسلطنة العثمانية، تحدث سابقاً عن احتمال ضم لبنان مجدداً إلى بلاد الشام إذا لم تنجح الدولة اللبنانية في إدارة أمورها ومعالجة مشاكلها. ووفق ما ينقل من التقاه على هامش مؤتمر المنامة في البحرين، فهو يجزم بأن المنطقة ستكون مقبلة على تحوّلات كبرى، بينها تحوّل كبير في وضعية إيران ودورها. ويقول إن الدول التي خضعت للنفوذ الإيراني لا بدّ أن تتحرر من ذلك، وتتدرب على كيفية إدارة شؤونها بنفسها، في مسار الالتحاق بركب المنطقة. وغالباً ما يعطي باراك سوريا نموذجاً يحتذى، خصوصاً أنه يجزم أيضاً بأن دمشق ستتوصل إلى اتفاق أمني مع إسرائيل، مع حلول نهاية السنة الحالية. 

 

المفاوضات الثلاثية محتملة

في كل الأحوال، وفي موازاة التسريبات الإسرائيلية المتوالية عن استعدادات عسكرية لشن عملية قوية ضد حزب الله، لا تزال الوساطات الدولية تتفعل لفتح الباب لمفاوضات يريدها الإسرائيليون سياسية ومباشرة، بخلاف ما يطرحه لبنان الذي يريدها غير مباشرة عبر لجنة الميكانيزم. ويتعاطى الأميركيون مع لبنان وسوريا بوصفهما ملفاً واحداً، وكأنهم في ذلك يحاكون “النظرية” التي ظهرت في التسعينيات حول وحدة المسار والمصير؛ إذ يذهب البلَدان إلى التفاوض معاً، أو يقاطعانها معاً. والآن تستمر الضغوط على بيروت لكي تدخل المفاوضات بالتزامن مع المفاوضات السورية. وما تريده واشنطن أو تل أبيب هو أن يتم التوصل إلى اتفاق مشابه مع البلدين، ينهي أزمة الحدود الجنوبية معهما. لذلك، المفاوضات مع لبنان تريدها إسرائيل مطابقة للمفاوضات مع سوريا، وربما يُعمَل لاحقاً على عقد اجتماعات ثلاثية لمعالجة مسألة مزارع شبعا، والجزء الشمالي من بلدة الغجر. وفي حال أُنجز الاتفاق مع دمشق، وتخلفت بيروت، فالتصعيد الإسرائيلي سيستمر من دون معرفة حدوده. 

لبنان و”القدَر” الأميركي: “وحدة مسار ومصير” تفاوضية مع سوريا .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...