في ليلة الميلاد، تعود البشرية إلى لحظة النور التي غيّرت مجرى التاريخ: تَجَسُّد السيد يسوع المسيح. وفيما تتلألأ أنوار العيد حول العالم، لا يزال لبنان يبحث عن خلاص، يُشبه تلك التي أنارت مغارة بيت لحم. يبحث عن مجوسٍ من بلاد فارس، يدعمون استقراره، بدل هدايا طهران المرّة والمفخخة، التي تُغذي منطق السلاح وتجرّه إلى ساحات النار والحروب. عن رعاة يقودونه بثبات وشجاعة نحو فجرٍ جديد، تستعيد فيه الدولة سيادتها والمؤسسات هيبتها. في الميلاد، يحتاج لبنان إلى ولادة قضائية شاملة، تُنهي عصر الإفلات من العقاب، وتستمر في ملاحقة كلّ الفاسدين، ومزوّري الشهادات الوطنية والجامعية والتربوية.
وعشيّة دخول البلاد عطلة الأعياد، سُجّلت إلى جانب «الفجوة المالية» فجوتان أمنيتان خطيرتان، الأولى في أدما – كسروان، والثانية في البقاع. في موازاة ذلك، واصلت الحكومة في السراي جلساتها الماراتونية لبحث «مشروع قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع»، على أن تُستكمل يوم الجمعة المقبل، حيث أعلن وزير الإعلام بول مرقص أن البحث وصل إلى المادة الثامنة، وأن الخلاصات المعلنة تبقى عامة ولا تعكس التعديلات النهائية، كونها لا تزال بحاجة إلى صياغة دقيقة.
وقد برز في الجلسة بشكل خاص اعتراض وزراء «القوات اللبنانية» الذين رفعوا سقف مداخلاتهم، معتبرين أن المشروع يستند إلى مفاهيم «مغلوطة»، تُشكّل أساسًا لبنود جوهرية فيه، وتؤدّي فعليًا إلى الإجهاز على حقوق المودعين، في ظل غياب أي أرقام دقيقة أو رؤية مالية شاملة من قبل الحكومة.
وفيما سعى رئيس الحكومة نواف سلام إلى تسريع النقاش ودفع المشروع نحو الإقرار قبل نهاية العام وخلال فترة الأعياد، شدد الوزيران جو عيسى الخوري وكمال شحادة على ضرورة التمهّل وإعطاء النقاش حقه، لما يحمله القانون من تداعيات مصيرية على مستقبل لبنان وحقوق المودعين.
وفي ردّه على سؤال حول أسباب العجلة، أقرّ رئيس الحكومة بوجود ضغوط خارجية تدفع نحو إنجاز المشروع قبل نهاية العام، ما أثار رفضًا صريحًا من عدد من الوزراء، الذين شددوا على أن الاستعجال لا يمكن أن يكون على حساب حقوق الناس أو نوعية الحلول المطلوبة لإنقاذ الودائع. ومع اقتراب ختام الجلسة، ذكّر بعض الوزراء رئيس الحكومة بدخول البلاد في عطلة عيد الميلاد، مطالبين بإعادة النظر في توقيت عقد جلسة حكومية ليلة العيد. وفي هذا السياق، علّق الوزير شارل الحاج ممازحًا: «يبدو يا دولة الرئيس أنك نسيت العيد».
وفي السياق المالي، أصدر «المركزي» بيانًا لافتًا، أشار فيه إلى أن الجدول الزمني المقترح لسداد الجزء النقدي من الودائع يبدو «طموحًا إلى حدّ ما»، مع التأكيد على إمكانية تعديله عند الضرورة، شرط عدم المساس بحقوق المودعين، لضمان انتظام المدفوعات واستمراريتها حتى استكمالها بالكامل.
وتوقفت المصادر عند استخدام عبارة «طموح»، مشيرة إلى أن الحاكم كريم سعيد وافق على المبادئ العامة للمشروع، لكنه أبدى تحفظات على بعض التفاصيل والآليات التنفيذية المقترحة. واعتبرت المصادر أن القيمة الحقيقية لأي حلّ تكمن في معالجة تلك التفاصيل، لا في العناوين العريضة التي قد تبدو واعدة شكلًا، لكنها تبقى فارغة مضمونًا ما لم تُرفق بخطة تطبيقية شفافة وقابلة للتنفيذ.
حماية القطاع المصرفي
وفي إطار الحفاظ على الاستقرار المالي، أبدى الحاكم وفق البيان، تحفظات جدّية، تستند إلى مبادئ قانونية راسخة، ومعايير محاسبية معتمدة، وسوابق دولية، إزاء أي مقاربة من شأنها أن تؤدي إلى الاستنزاف المنهجي أو الإلغاء الكامل لرأس المال الخاص بالمصارف قبل إزالة المطالبات غير النظامية من ميزانياتها العمومية، وقبل التطبيق اللاحق لتدرّج ترتيب المطالبات. وفي التوصية الموجّهة إلى مجلس الوزراء، دعا الحاكم، إلى أن يُخضع مشروع القانون لمراجعة دقيقة وشاملة وبناءة، تهدف إلى إدخال التحسينات وَالتحْصِينات اللازمة بما يضمن العدالة والمصداقية وقابلية التطبيق العملي، وذلك قبل إحالته إلى مجلس النواب.
اهتزاز أمني في أدما والبقاع
أما على صعيد «الفجوات الأمنية»، فقد عُثر أمس، على جثة غسان نعسان السخني، المعروف بلقب «الطرماح»، مصابة بطلقات نارية، في منطقة تلة أبو عضل، الواقعة بين أدما والصفرا في قضاء كسروان، ما فتح الباب أمام سيل من التساؤلات حول أسبابها ودوافعها. وأعلن الجيش اللبناني توقيف السوري (و.د.) المتورّط في قتل السوري السخني، وذلك على خلفية خلاف مالي، بعد عملية رصد ومتابعة نفذتها مديرية المخابرات. إلى ذلك، أفادت مصادر مطّلعة لـ «نداء الوطن» بأن النعسان يُعدّ من بين المتهمين بارتكاب مجازر خلال الحرب السورية، وهو مطلوب للقضاء السوري.
اختطاف والبصمات إسرائيلية؟
بقاعًا، تتواصل التحقيقات في قضية اختطاف النقيب المتقاعد في الأمن العام أحمد شكر، وسط غموض يحيط بملابسات العملية وتعدّد في الفرضيات، فيما بات الملف بعهدة فرع المعلومات الذي تولّى التحقيق بناءً على إشارة من القضاء المختص. وفي ظلّ تضارب الروايات، تبرز فرضية ضلوع المخابرات الإسرائيلية، استنادًا إلى تشابه في الأسلوب مع عمليات سابقة نُسبت إليها، أبرزها تصفية الصرّاف المحسوب على «حزب الله» محمد سرور في بيت مري. ووفق المعطيات المتداولة إعلاميًا، فإن النقيب المفقود هو شقيق حسن شكر، الذي كان منضويًا في المجموعة التي قادها مصطفى الديراني، حين كان لا يزال في صفوف حركة «أمل» قبل انتقاله لاحقًا إلى «حزب الله» والتي يُعتقد أنها شاركت في عملية أسر الطيار الإسرائيلي رون آراد بعد إسقاط طائرته في 16 تشرين الأول 1986 في الجنوب. وتقول الروايات إن آراد نُقل حينها إلى منزل أحد أقرباء شكر في بلدة النبي شيت في البقاع، قبل أن يُنقل إلى مكان مجهول، ويُفقد أثره منذ ذلك الحين. وتجدر الإشارة إلى أن أحمد شكر ينتمي إلى عائلة القيادي البارز في «حزب الله» فؤاد شكر، الذي اغتالته إسرائيل في 30 تموز 2024.
ولاء «الوطن» للوطن فقط
على صعيد آخر، عقب إعلان الجيش اللبناني أمس استشهاد الرقيب الأول علي عبد الله في غارة إسرائيلية على طريق القنيطرة – المعمرية – صيدا، زعم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، بأن الغارة استهدفت ثلاثة من عناصر «حزب الله»، أحدهم يعمل أيضًا في استخبارات الجيش اللبناني. على الأثر، أصدر مكتب وزير الدفاع الوطني ميشال منسّى وقيادة الجيش اللبناني، بيانين نفيا فيهما بشكل قاطع الاتهامات الإعلامية حول ارتباط بعض العسكريين بأحزاب وتنظيمات. وأكد البيانان أن ولاء الجيش هو للوطن فقط، واعتبرا أن هذه المزاعم المغرضة تستهدف التشكيك بدور المؤسسة العسكرية وعقيدتها في مرحلة دقيقة يمر بها لبنان.
فضيحة التزوير في «اللبنانية»
في تطوّر قضائي لافت، أصدرت قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، القاضية ندى الأسمر، قرارها الظني في فضيحة التلاعب بنتائج الامتحانات في الجامعة اللبنانية، التي هزت الرأي العام وأظهرت خروقات خطيرة في نظام التعليم الرسمي. القرار شمل توجيه اتهامات: التلاعب بالنتائج، تزوير مستندات رسمية، استعمال المزوّر، الإخلال بواجبات الوظيفة، الإهمال الوظيفي، عرقلة التحقيق، تمزيق وإخفاء مستندات، ومحاولة طمس أدلة. وتم الإدعاء على 17 شخصًا في الملف بتهم مختلفة بين جنح وجنايات في قانون العقوبات، وبينهم الإعلامي المحسوب على «الممانعة» فادي أبو ديّة.
فجوتان أمنيّتان تضربان أدما والبقاع: “العين” على “البصمات” …”الفجوة المالية” تكبر بين اعتراض “القوات” وملاحظات “المركزي” .







