سنة كاملة مرّت على اتفاق وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل و«حزب الله» والذي أقرته الحكومة اللبنانية مع مفارقة واضحة وهي أن لبنان وضمناً «حزب الله» التزم بهذا الاتفاق بشكل كلي ما عدا خرق واحد في مزارع شبعا، فيما إسرائيل لم تلتزم بتاتاً بوقف إطلاق النار لا جزئياً ولا كلياً، بل ثابرت على تنفيذ غارات جوية وعلى توغلات برية وتجريف للقرى بهدف خلق منطقة أمنية عازلة تحت مسميات مختلفة منها «المنطقة الاقتصادية».
ووصفت قناة «المنار» الناطقة بلسان «حزب الله» هذه السنة بأنها «بألف عام»، قائلة «قضاها الوطن وأهله على حبال الصبر والثبات»، مشيدة «بمن سقى الأرض من أغلى الدماء التي فاضت من ميدان أولي البأس، فأبقت البلد المجروح وطناً، وحمته من السقوط في مستنقع الاستسلام الذي يستحكم بكثير من العقول والأنظمة، وأبقته ثابتاً بوجه عواصف التهديد والابتزاز والوعيد».
وأضافت «المنار»: «عام مضى على ما سُمّي اتفاق وقف إطلاق النار، أحرق العدو أيامه ولياليه كما أوراقه التي كتب عليها بحبر الخداع الأمريكي، وعاد ليذر رماده في عيون اللبنانيين ومعه جوقة من المستسلمين وأخرى من المتخاذلين وعموم الحاقدين الذين ما بدلوا يوماً عاداتهم بالرقص على دماء اللبنانيين على أنغام الأمريكيين والإسرائيليين».
وإذا كانت الضربة الإسرائيلية الأقسى طالت قبل أيام الضاحية الجنوبية لبيروت مستهدفة رئيس أركان «الحزب» هيثم طبطبائي، فإن خفضاً لمنسوب الغارات سُجّل قبيل زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان في ظل رسائل تحذيرية متواصلة بلغت مسامع كبار المسؤولين اللبنانيين من نفاد صبر تل أبيب تجاه ما تزعمه من عدم جدية الجيش اللبناني في تطبيق خطته لحصرية السلاح قبل نهاية العام الحالي. وقد حمل وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي آخر هذه الرسائل إلى العاصمة اللبنانية مبدياً قلقه من عدم اقتصار التصعيد على ضربات جوية بل الانتقال إلى معارك برية.
وإزاء ما تعرّض له الجيش اللبناني من تشكيك بتنفيذ مهامه بحصرية السلاح بدءاً من جنوب نهر الليطاني، كانت الجولة الإعلامية التي تكشف فيها قيادة الجيش عبر قائد قطاع جنوب الليطاني عما أنجز الجيش في تلك المنطقة تحت عنوان خطة «درع الوطن» عبر معالجة 177 نفقاً وإغلاق 11 معبراً على مجر نهر الليطاني، وضبط 566 راجمة صواريخ ونحو 230.000 قطعة سلاح وذخائر ومنصات وصواريخ.
وبعد الانتهاء من «هدنة البابا» يُرجّح أن تعاود تل أبيب تهديداتها تجاه لبنان الذي لم يتلق رئيسه العماد جوزف عون أي رد إيجابي على طرحه للتفاوض، وسط مؤشرات أن إسرائيل باتت تتصرّف على أن اتفاق وقف إطلاق النار غير قائم وترغب في اتفاق سياسي أمني جديد ولاسيما أن عمل قوات «اليونيفيل» سينتهي نهاية عام 2026. لذلك، لا تتردد إسرائيل في التهويل الذي يتقاطع مع ما يحمله موفدون للبنان من رسائل تحذيرية ومن دق لناقوس الخطر من عملية إسرائيلية جوية وبرية.
واللافت هو ما أعلنه رئيس الحكومة نواف سلام من «أننا لسنا بحاجة للموفدين ليدقوا لنا ناقوس الخطر، فنحن في حالة حرب وحرب استنزاف من طرف واحد»، موجهاً أقسى انتقاد لسردية «حزب الله» حول سلاحه، قائلاً «هذا السلاح لا ردعَ ولا حمى ولا نصرَ غزة، ويا ليته حمانا ويا ليته حمى قيادات الحزب».
ولا يتطابق موقف الرئيس سلام مع موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويتمايز إلى حد مع موقف رئيس الجمهورية العماد جوزف عون الذي حاول أن يوازن بين توجيه الرسائل لـ «حزب الله» من أن الزمن تغيّر ولا تجوز المكابرة والانكار، وبين خصوم «الحزب» الذين خاطبهم بأنه ليس صحيحاً ولا مقبولاً التصرف وكأن جماعة لبنانية زالت أو اختفت أو هُزمت. لكن موقف سلام يتطابق إلى حد كبير مع موقف أحزاب مسيحية تعتبر أن اتفاق وقف إطلاق النار لو جرى الالتزام ببنوده كما وُقِّع، لكان لبنان اليوم يعيش في أمن واستقرار، ولكانت إسرائيل انسحبت من كامل الأراضي اللبنانية، ولكان الجيش اللبناني انتشر على كل الجغرافيا اللبنانية واحتكر وحده السلاح، وعادت الحدود بين لبنان وإسرائيل إلى كنف اتفاقية الهدنة التي تشكل الإطار الطبيعي للاستقرار المطلوب.
وترى هذه الأحزاب المسيحية أنه منذ سنة كاملة، لا يزال لبنان يدور في الحلقة المفرغة نفسها، إذ يرفض حزب الله تسليم سلاحه وتفكيك بنيته العسكرية. وبسبب هذا الرفض، لا تنسحب إسرائيل، وتستمر الاستهدافات، ويبلُغ البلد اليوم مرحلة مواجهة حرب متدحرجة حيث لا يريد «الحزب» أن يتعلم، وما زال يعرّض بيئته ولبنان لحرب مدمّرة.
يبقى أن الأنظار تتركز على معرفة حقيقة ما توعّد به أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي قال في الاحتفال التأبيني للقائد الجهادي هيثم الطبطبائي «هذا اعتداء سافر وجريمة موصوفة من حقنا الرد سنحدد التوقيت لذلك».
فهل سيجرؤ «الحزب» على الرد أم أن كلام قاسم موجّه إلى البيئة الحاضنة للحفاظ على معنوياتها، مدركاً أن أي رد على إسرائيل سيمنحها الذريعة التي تنتظرها لتنفيذ أجندتها العسكرية.
سنة على وقف إطلاق النار الهش… هل من سيناريو خطير بعد زيارة البابا؟ .







