زمن التفاوض.. ماذا يمكن للبنان تقديمه؟

تشير التطورات الأخيرة في الجنوب إلى أن المشهد لم يعد مجرد تبادل ناري أو رسائل تكتيكية بين الأطراف. هناك سياق أوسع يتحرك بصمت خلف الحدود، يوحي بأن التصعيد ليس هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة للضغط وتحسين شروط التفاوض في مرحلة تبدو أكثر حساسية من كل ما سبق. فمن الواضح أن الإسرائيليين يعتمدون خطاباً متشدداً ويواصلون التصعيد العسكري، ليس بدافع الذهاب إلى مواجهة شاملة، بل لإرسال إشارة مفادها أنهم مستعدون للذهاب إلى الحد الأقصى إذا لم تتقدم الاتصالات السياسية في الاتجاه الذي يرونه مناسباً.

وفي موازاة ذلك، تتحرك القنوات الديبلوماسية بفعالية بعيداً عن الأضواء. زيارة مدير المخابرات المصرية إلى بيروت لم تأت في سياق المجاملات أو المتابعة الروتينية، بل حملت دلالة أن هناك نقاشات فعلية تجري حول مستقبل الوضع الحدودي والمرحلة المقبلة في لبنان.

مصادر متابعة تشير إلى أن الأميركيين يلعبون دوراً أساسياً في الدفع نحو تسوية، وأنهم على عجلة من أمرهم لإقفال الملفات الإقليمية المشتعلة تمهيداً لانتقالهم إلى مرحلة تفاوضية أوسع قد تشمل ترتيباً جديداً على مستوى المنطقة.

وفي هذا السياق، برزت إشارات سياسية من حركة حماس ثم من حزب الله، بدت أقرب إلى تمهيد لرسم قواعد اشتباك جديدة أو فتح الباب أمام إطار تفاوضي أكثر عمقاً. هذه الإشارات تُقرأ على أنها جزء من مسار أكبر يتصل بالعلاقة بين واشنطن وطهران، وبإمكان وضع الملف النووي الإيراني على طاولة أكثر هدوءاً بعد معالجة الملفات الإقليمية أو على الأقل ضبطها ضمن صيغة متفق عليها. بمعنى آخر، أي حوار فعلي حول البرنامج النووي الإيراني لن ينطلق بجدية قبل ترتيب ساحات المنطقة التي تشكل امتداداً لنفوذ طهران.

لذلك، لا يبدو أن التصعيد العسكري سيتراجع في المدى القريب. بل من المرجح أن يستمر ضمن حدود مدروسة، مع إمكانية ارتفاع وتيرته في محطات معينة، على قاعدة أن كل طرف يريد تعزيز موقعه قبل الدخول في أي اتفاق محتمل. ما يجري اليوم يشبه اختبار قوة محسوب، لا مغامرة مفتوحة. لكل طرف ما يخسره وما يربحه، والجميع يدرك أن النهاية ليست حرباً واسعة، بل صياغة توازن جديد.

المرحلة المقبلة ستكون مليئة بالإشارات والتحركات وتبدل النبرة السياسية. لكنّ الثابت أن المنطقة ليست في فراغ، وأن ما يحصل ليس فوضى منفلتة بل مسار يرسم تدريجياً ملامح تسوية أكبر. وفي انتظار أن تتضح مآلات هذا المسار، يبدو أن النار ستبقى جزءاً من اللغة، تماماً كما ستبقى المفاوضات جزءاً من الحل المقبل.

زمن التفاوض.. ماذا يمكن للبنان تقديمه؟ .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...