دولة لثلاثة أيام

البابا في لبنان، والدولة ثلاثة أفراد. فقط الرؤساء الثلاثة يحق لهم ولعائلاتهم لقاء خاص وصور تذكارية مع البابا بالمفرّق. والباقي بالجملة.لم أفهم لماذا؟ اذا كان للدلالة على الوحدة المسيحية المسلمة، نكون منافقين بحق البابا. لأن الثلاثة يمثلون البعد السياسي للطوائف، ومن الطرائف الثابتة أنهم مختلفون على أهم قرار وجودي في الجمهورية منذ الاحتلال السوري، وهو قرار حصرية السلاح. فرئيس المجلس ورئيس الحكومة على طرفي نقيض في هذا القرار، ورئيس الجمهورية في الوسط الايجابي، عقله مع القرار وقلبه مع الطائفة التي يقول إنها لا يجب أن تشعر بأنها متروكة ومهزومة. والثلاثة مختلفون على أهم قرار سياسي في الجمهورية، وهو انتخاب المغتربين، وماذا لو من همس بأذن البابا بأن الدستور معلق، لا ينزله عن الخشبة لا مشروع قانون من الحكومة موقع من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء المعنيين بمن فيهم وزير المالية الشيعي، وبالتالي هو مشروع ميثاقي ودستوري بامتياز، ولا اقتراح قانون نيابي ولا عريضة ٦٧ نائباً.
كان من الأجدى تجيير اللقاء والصور لرؤساء المذاهب الروحيين لا الزمنيين.
وكما في هذا ضحكنا على البابا، أيضاً في الزفت المفروش على الطرقات التي سلكها. لا يا قداسة البابا، طرق لبنان ليست معبدة كما جهزت خصيصاً للمناسبة. طرق لبنان البرية مليئة بالجور التي ردمت إكراماً، والجوية بالمسيّرات التي أوقفت فجأة كرمالك، والبحرية بالمجارير التي عُطرّت لثلاثة أيام، والأنفاق تحت الأرض بالصواريخ التي ختمت بالشمع الأصفر لا الأحمر، ولا أحد يعلم متى يُفضّ الختم ويضاء الأخضر.
واذا كانت اللقاءات الخاصة لتقديم هدايا تذكارية للبابا، فأنا أيضاً لقداسته مني هدية . هي رسالة حقيقية لا مكتوبة لزوم المناسبة، ولا مزينة بعبارة trop beau pour être vrai.
او باللغة التي يفهمها البابا too good to be true.
لبنان اليوم يا قداسة البابا، جمهوريتان، جمهورية جنوب الليطاني وجمهورية شماله، أما لبنان قبل مجيئك وبعد رحيلك، فجمهوريات تغلب عليها القبليات وتغيب القبلات، يسود التصادم ويغيب التسامح.
في لبنان، تسود أحياناً قوة العقيدة، وغالباً عقيدة القوة، كما يقول أحد الآباء القضاة الأفاضل.
أعرف أنك بتواضعك كنت تفضل أن تستقبل بالبرغل لا بالأرز لأن في لبنان “ناس بسمنة وناس بزيت”، أناساً ينعمون وأناساً يتألمون، أناساً يبذخون وأناساً يجوعون.
وأنت في القداس تطلع الى بعيد، لا تنغش بأصحاب ربطات العنق، تطلع الى الصفوف الخلفية حيث حقيقة لبنان، الصادقون، العفيفون، الحقيقيون. الصفوف الأمامية وصلت قبلك بدقائق، أما الخلفيون فوصلوا منذ ساعات الفجر الاولى.
عذراً قداسة البابا، قدّموا لك صورة لبنان المرسومة بألوان تدوم ثلاثة أيام فقط، وبعدها يعود اللبناني بعد الواحدة من هذا اليوم الى حياة المناكفات والجوْر والجُور والجُوَرْ.
وأكرر معك: طوبى لفاعلي السلام.

دولة لثلاثة أيام .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...