لم تتبدّل صورة المنطقة فعليّاً، إلّا بعدما انهار نظام الأسد في دمشق. فسوريا كانت نقطة الوصل الأساسية بين إيران وأذرعها الإقليمية، خصوصاً “حزب الله” في لبنان. كما كانت مركز الثقل للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط. فكان سقوط النظام الأسدي الضربة التي قصمت ظهر المحور الإيراني، بعد إضعاف “حماس” و”حزب الله”، ومن ثمّ توجيه ضربة قاسية للمنشآت النووية الإيرانية والبرنامج الصاروخي الخاص بها.
ومع الحكم الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع، أصبحت سوريا تشكّل المركز الفعلي لاستقرار منطقة الشرق الأوسط. وإذا ما اهتزّت لأي سبب من الأسباب، فالمنطقة كلّها تصبح عرضة للفوضى والتدخّلات، وربّما الحروب الطائفية. ومن شأن ذلك أن يقوّض خطّة الرئيس دونالد ترامب لولادة “الشرق الأوسط الجديد” المزدهر والذي ينعم بالسلام.
ويبدو بديهيّاً أنّ الاستقرار السوري ليس في مصلحة جهات ودول عدّة، على رأسها إسرائيل، ثمّ إيران، من دون إغفال المصالح التركية الكبيرة في هذا البلد. ولولا الجهد الأميركي والدور الحاسم الذي تقوم به واشنطن، لما استمرّ حكم الشرع حتّى الآن، كما يرى محلّلون كثر.
فالولايات المتّحدة تستثمر في الحفاظ على الاستقرار في سوريا، لأنّ استمرار حالة التأرجح قد تفتح الباب على عودة التهديدات الإرهابية، وتفسح في المجال للتدخّل الخارجي، وتحديداً الإيراني. كما تنعكس الفوضى على المحيط القريب، وخصوصاً لبنان، الذي يقف على شفير الانفجار أو الانهيار، ما لم تقم الحكومة بالدور المطلوب منها في حصر السلاح وبسط السلطة والتخلّص من الفساد.
وكما يرد في تقرير نُشر في “معهد الشرق الأوسط”، فأنّ واشنطن حقّقت نجاحات دبلوماسية كبيرة في سوريا خلال العام الماضي، ولكن عليها أن تقوم بالمزيد في العام المقبل، عبر قيادة المجتمع الدولي من أجل دعم جهود الحكومة السورية، الهادفة إلى تعزيز سلطتها على مختلف المجموعات العرقية والدينية. وهذا يتطلّب التنسيق مع أبرز الأطراف الخارجية، أي إسرائيل وتركيا والدول العربية الرئيسية.
وتشكّل المسألة الكردية والمسألة الدرزية أبرز تحدّيين أمام الحكومة في دمشق. فهاتان النقطتان هما الثغرة التي تمرّ عبرها مصالح كلّ من تركيا وإسرائيل. فأنقرة ترفض أي شكل من أشكال الاستقلال الكردي، الذي تعتبر أنّه يهدّد أمنها وكيانها. وإسرائيل لا يناسبها أن تصبح سوريا بقيادة الشرع دولة موحّدة قوية. لذلك تستغلّ العنصر الدرزي، في محاولة لتحقيق مآربها.
ولولا الضغوط الأميركية القوية التي مورست في مراحل سابقة، فإنّ نظام الشرع كان معرّضاً للسقوط، إبّان أحداث الساحل، ثم أحداث السويداء، والاشتباكات الحالية مع “قسد”.
ونظراً إلى تداخل المصالح على الأرض السورية، فإنّ خطر انهيار الحكم الجديد ليس احتمالاً مستبعداً في أيّ لحظة.
من هنا، نلاحظ في الفترة الأخيرة لقاءات واتصالات بين أطراف متباينة ومتضادّة. ولكن، بما أن في السياسة كلّ شيء يحصل، فلا غرابة في أن تجمع المصالح أعداء الأمس.
وأشار تقرير صادر عن مركز “ألما” الإسرائيليّ للبحوث والتعليم إلى أنّ اجتماعاً سرّيّاً عُقد في بيروت، ضمّ مسؤولين أكراداً رفيعي المستوى وممثّلين عن “حزب الله” برئاسة عمّار الموسوي، على أساس أنّ ما يجمع الطرفين هو العداء لحكم الشرع.
ولكن “الحزب” يريد أيضاً التواصل مع النظام الجديد في سوريا، إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، في الوقت الذي ترى تركيا في استمرار وجود “الحزب” عامل ضغط في مواجهة إسرائيل، التي لا تريد بدورها قيام سوريا قوية ترتبط بعلاقات استراتيجية مع أنقرة. لذلك، عمدت إسرائيل في المقابل إلى إعلان توسيع التعاون الأمني والعسكري مع اليونان وقبرص، ما أثار استياء الأتراك.
إذاً، المستفيدون من عودة الفوضى إلى سوريا كثر. أوّلهم إسرائيل، التي تريد الاستمرار في السيطرة على المناطق السورية التي احتلّتها، وخصوصاً في جبل الشيخ، ولا يناسبها أي اتفاق مع دمشق، ما لم يكن فيه إذعان لمطالبها. ولهذا السبب تعرقلت المفاوضات التي كانت بدأت بين البلدين بدفع أميركي.
ولكنّ ثمّة حديثاً الآن عن رعاية روسية للمفاوضات الإسرائيلية السورية، وعن دور روسي محدّد في منطقة الساحل السوري، في مقابل الدور التركي.
التوازنات صعبة ودقيقة في منطقة معقّدة تتشابك فيها الملفّات. فإذا نجحت، قد يحصل التحوّل نحو الاستقرار، ولكنّه سيبقى محفوفاً في أيّ لحظة بخطر الانهيار.
خاص – سوريا مركز استقرار المنطقة: ماذا لو اهتزّت؟ .






