“حضر الجابي ولم يجدكم”: فواتير من كهرباء لبنان لبيوت مدمّرة!

ليس سهلاً وسط الدمار والقلق المستمرّ منذ عامين، أن تصل فاتورة كهرباء لمنزل مُدَمَّر. وفي التفاصيل، فإنّ مؤسسة كهرباء لبنان تصدر فواتيرها لمنطقة الجنوب رغم أنّ عدداً هائلاً من البيوت مدمَّر. وبموجب المسؤوليات، على جباة شركة مراد، إحدى شركات مقدّمي الخدمات، تحصيل الفواتير. والإشكالية المعنوية التي تتضمّنها عملية التحصيل عن منزل مدمَّر، تعزّزها إشكالية قانونية في ظلّ وجود قانون يعفي المكلّفين من رسوم الكهرباء، إضافة إلى رسوم أخرى. فهل يُصَحَّح الخطأ بإعادة الأموال إلى أصحابها؟.

إصدار الفواتير

فوجىء عدد من أصحاب البيوت المدمّرة في الجنوب، بصدور فواتير من مؤسسة كهرباء لبنان عن أشهر نيسان، أيار وحزيران 2024. إذ يتوجّه الجابي إلى منازل المكلّفين، وإن لم  يجد أصحابها، يترك ورقة تفيد بأنّه “حضر بالنيابة عن مؤسسة كهرباء لبنان وسوف يعود لجباية الفاتورة”، ويدوّن رقم هاتفه على الورقة التي تُترَك أحياناً عند بعض الجيران، أو يتسلّمها أصحاب المنزل المدمّر في حال تمّ التواصل معهم، ولم يستطيعوا دفع المبلغ مباشرة. 

 

وبعض المكلَّفين دفعوا قيمة الفواتير التزاماً بالقوانين ومنعاً لتراكم المبالغ مع غراماتها، في حال التخلف عن الدفع. واستغرب أحد المتضرّرين  إصدار الفواتير، معتبراً في حديث لـ”المدن”، أنّه “من غير المقبول إصدار مثل هذه الفواتير لبيوتنا المدمّرة أو المتضرّرة، خصوصاً وأننا لا نسكن فيها، بالإضافة إلى اضطرارنا لدفع تكاليف إضافية لاستئجار منزل”. وأوضح أنّه “على الدولة إيجاد حلّ”. لافتاً إلى أنّه “تم دفع قيمة الفاتورة منعاً لتراكم المبالغ مع غراماتها، إذ ليس من المؤكَّد إيجاد حلّ سريع”. أمّا الرّهان على تصحيح الخطأ “فهو أمر لا يمكن الركون إليه. وفي حال تم التصحيح، فهو أمر جيّد”.

ويأتي إصدار المؤسسة للفواتير، خلافاً لمشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 410 تاريخ 4 حزيران 2025، والذي صادقَ مجلس النواب عليه في 11 تموز الماضي، والرامي إلى “منح المتضرّرين من الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان بعض الإعفاءات من الضرائب والرسوم وتعليق المهل المعلّقة بالحقوق والواجبات الضريبية…”.

وفي المادة الثالثة من القانون المنشور في العدد 31 من الجريدة الرسمية الصادرة في 17 تموز 2025، فإنّه “خلافاً لأي نصّ آخر، تُعفى من رسم القيمة التأجيرية وسائر الرسوم البلدية ورسوم المياه والكهرباء والهاتف الثابت وحدات العقارات أو أقسامها التي تدمت أو تضررت من جراء الاعتداءات الإسرائيلية، وذلك اعتباراً من 8/10/2023. ويعفى كذلك جميع المتضررين في قرى أقضية حاصبيا، مرجعيون، بنت جبيل، جزين وصور من رسوم الكهرباء للعام 2024 ورسوم المياه والهاتف الثابت للعام 2025”. ولتوسيع مروحة الإعفاءات، صدر في العدد 35 من الجريدة الرسمية 14/8/2025 استبدال عبارة “المتضررين” بعبارة “المكلّفين”. وبالتالي يتم إعفاء جميع اللبنانيين من تلك الرسوم، بوصفهم مكلّفين، وإن لم يكونوا متضرّرين.

إشكالية قانونية

إصدار الفواتير أربَكَ الجباة والمسؤولين الإداريين في شركة مراد ومؤسسة الكهرباء. فمن جهة “مراد”، أوضحت مصادر في الشركة في حديث لـ”المدن”، أنّ “مؤسسة كهرباء لبنان هي مَن تصدر الفواتير، وما على شركة مراد إلاّ تحصيلها بوصفها شركة تقديم خدمات متعاقدة مع المؤسسة”.

وأضافت أنّه “حين صدر قانون الإعفاء في الجريدة الرسمية، كانت الشركة تجبي فواتير عن العام 2024، وطلبت من كهرباء لبنان توضيحاً للإجراءات التي ستُتَّخَذ بموجب القانون الجديد. وإلى حين ورود أي قرار من كهرباء لبنان، لا يمكن للشركة وقف جباية الفواتير من تلقاء نفسها”.

انتظار شركة مراد قرار مؤسسة الكهرباء، يحيل بدوره إلى توضيح طلبته مؤسسة الكهرباء من مجلس الوزراء، والذي سيتمّ عبر آلية حدّدها القانون نفسه، الذي ينصّ على أنّه “تُحَدَّد عند الاقتضاء دقائق تطبيق هذه المادة بموجب مرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الداخلية والبلديات”. وأشارت مصادر إدارية في مؤسسة كهرباء لبنان في حديث لـ”المدن”، إلى أنّ المؤسسة “رفعت كتاباً إلى وزير الداخلية، عبر وزير الطاقة”.

هذه الدوّامة من طلبات التوضيح، تعود برأي المصادر إلى أنّ “القانون يتحدّث عن إلغاء للرسوم، لكنّه لا يوضح أيّ رسوم هي المقصودة بالتحديد. ففاتورة الكهرباء تضمّ رسوماً ثابتة وضريبة القيمة المضافة TVA ورسم الطابع المالي، بالإضافة إلى قيمة استهلاك الكهرباء”.

وطمأنت المصادر إلى أنّه “في حال جاء الردّ بالإعفاء من كامل الفاتورة، فأي مبلغ يدفعه المكلّف، سيُعاد له أو يُحسَم من فاتورة لاحقة”. علماً أنّه “في نظام المؤسسة، وبعيداً من القانون الحالي، فإنّ المنازل المدمَّرة يصار إلى وقف إصدار فواتيرها، وهو ما حصل على سبيل المثال، مع مبنى المنصورية الذي انهار. فالدوائر المعنية في كل منطقة تتحرّك فوراً لتلحظ أي تغيير”. فضلاً عن أنّه إذا صدرت فاتورة لبيت مدمَّر “يستطيع محتسب المؤسسة إلغاء الفاتورة، بموجب الصلاحيات المعطاة له”.

رغم تطمينات مؤسسة الكهرباء لناحية إمكانية إعادة الأموال المجباة في حال أقرّ مجلس الوزراء ذلك بمرسوم، فإنّ المكلَّف يحمل تداعيات هذه الإشكالية المستجدّة، إذ يتوجّب عليه الدفع والانتظار، أو يغامر بعدم الدفع وتحمّل مسؤولية ترتيب غرامات تأخير في حال لم يوضح مجلس الوزراء اللبس الذي رأته مؤسسة الكهرباء في القانون. على أنّه كان يمكن للمؤسسة التريّث بإصدار الفواتير إلى حين جلاء الغموض القانوني.

“حضر الجابي ولم يجدكم”: فواتير من كهرباء لبنان لبيوت مدمّرة! .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...