يّها اللبنانيون، نحن على أبواب استحقاق مصيري في أيار 2026. هذه الانتخابات ليست مجرّد عملية روتينية ننتخب فيها مئة وثمانية وعشرين نائباً، بل هي فرصة تاريخية لانتفاضة ديمقراطية حقيقية، لإعادة رسم مستقبل لبنان وانتشال وطننا من دوّامة الانهيار.
لقد أثبتت التجارب أنّ التغيير لا يأتي من فراغ، بل من صناديق الاقتراع. وهنا تبرز أهمية مشاركة اللبنانيين المنتشرين في كل أصقاع العالم. فهؤلاء ليسوا متفرّجين على ما يجري في الداخل، بل هم رئة الوطن الاقتصادية والإنسانية، وهم الذين يضخّون الحياة في شرايين لبنان بتحويلاتهم ودعمهم لأهلهم. فكيف يُعقل أن يُختصر حقّهم في انتخاب ستة نواب فقط، بينما الدستور واضح وصريح في المساواة بين المواطنين؟
إنّ حصر اقتراع المغتربين بستة مقاعد هو انتقاص فاضح من حقّهم، وتهميش متعمّد لدورهم الوطني. المطلوب أن يقترعوا لمئة وثمانية وعشرين نائباً مثل المقيمين، لأنهم شركاء حقيقيون في صناعة القرار الوطني، ولأنّ صوتهم قد يكون الفيصل في إسقاط من أوصلونا إلى هذا الانهيار وبناء أكثرية نيابية جديدة تضع لبنان على طريق الإصلاح والإنقاذ.
وهنا لا بد من تسمية الأمور بأسمائها: رئيس مجلس النواب نبيه بري يتحمّل مسؤولية مباشرة عن تعطيل هذا الحق، إذ امتنع عن طرح العريضة النيابية على الهيئة العامة للتصويت، ضارباً عرض الحائط مبدأ المساواة الدستورية ومصالح مئات آلاف اللبنانيين المنتشرين. هذا الامتناع لم يكن صدفة، بل قراراً سياسياً هدفه الإبقاء على ميزان القوى الحالي وحماية المنظومة من أي تغيير قد تفرضه أصوات المغتربين. إنه سلوك يختصر ذهنية الاستئثار بالسلطة وتجاهل الإرادة الشعبية، ويشكّل اعتداءً صارخاً على حق شريحة واسعة من اللبنانيين بالمشاركة الكاملة في تقرير مصير وطنهم.
ولأنّ المهل الدستورية والزمنية تضيق يوماً بعد يوم، فإنّ المطلوب اليوم تحرّك جدّي ومنظّم من اللبنانيين في الاغتراب. يجب تشكيل لوبي اغترابي ضاغط وفاعل، يتوجّه مباشرة إلى رئاسة مجلس النواب ويضعها أمام مسؤولياتها الوطنية والدستورية. هذا اللوبي يمكنه أن يرفع الصوت في العواصم التي يتواجد فيها المغتربون، وأن يطلق عرائض، تظاهرات، حملات إعلامية، واتصالات سياسية ودبلوماسية، لإجبار رئيس المجلس على فتح أبواب الهيئة العامة، وإدراج هذا البند على جدول الأعمال قبل فوات الأوان. إنّ الضغط المنسّق والمتواصل هو السلاح الأقوى لانتزاع الحقّ وتصحيح الخلل قبل أن نصل إلى انتخابات ناقصة الشرعية والتمثيل.
لذلك، على كل مغترب ومُقيم أن يستعد من الآن ليجعل من أيار 2026 محطة محاسبة حقيقية. التسجيل المبكر، المشاركة الكثيفة، وضمان إيصال أصواتكم حتى آخر صندوق اقتراع هي مسؤولية وطنية لا تقلّ عن أي مقاومة أو تضحيات. هذه الانتخابات هي ساحة النضال السلمي لاستعادة الدولة، وكسر حلقة الهيمنة، وبناء لبنان الذي نحلم به لأبنائنا.
لبنان ينادينا جميعاً، في الداخل والخارج، كي ننهض ونصنع التغيير بأيدينا. مشاركة المغتربين الكاملة قادرة أن تغيّر وجه المجلس النيابي. فلنحوّل أيار 2026 إلى موعد مع الأمل، مع العدالة، ومع ولادة لبنان الجديد، لبنان خالٍ من السلاح غير الشرعي ومن الهيمنة التي طال زمانها وقد أينع قطافها… والسلام.