لساعتين ونصف تقريباً اجتمعت لجنة الميكانزيم في رأس الناقورة، في حضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، التي قدمت مباشرة من باريس بعيد المباحثات التي شارك فيها قائد الجيش العماد رودولف هيكل. الجانب اللبناني حافظ على تمثيله بحيث ترأس الوفد السفير سيمون كرم، أما الجانب الإسرائيلي فقد أوفد لرئاسة الوفد هذه المرة نائب رئيس مستشار الأمن القومي يوسي درازين، بدل المدير الأعلى للسياسة الخارجية في مجلس الامن القومي الإسرائيلي يوري رسنيك.
إسرائيل إذاً رفعت مستوى تمثيلها في حين أن كل ما سبق وسرّب عن تغيير الدولة اللبنانية لتركيبة الوفد على قاعدة ستة وستة مكرّر أثبت زيفه، علماً أن سقف التفاوض لا يزال محدداً بالأولويات التي وضعها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، في ما خص الترتيبات الأمنية على الحدود.
مفاوضات محاطة بالسرية
ما كان لافتاً هو التكتم الشديد الذي أحاط بمباحثات الساعتين. بعبدا اختصرت المفاوضات بعبارة مفادها أن السفير كرم وضع رئيس الجمهورية في أجواء النقاش خصوصاً لجهة تأكيد الرئيس على “أولوية المطلب اللبناني بعودة سكان القرى الجنوبية إلى قراهم ومنازلهم وأرضهم كمدخل للبحث بكل التفاصيل الأخرى”. التكتم انسحب أيضاً على كواليس الدوائر الرسمية اللبنانية والغربية وعلى الجهات الأمنية المعنية، إنطلاقاً من حساسية الموضوع ودقته، تاركة الاعلان عن نتائج المباحثات للجنة الميكانزيم.
وسط كل هذه السريّة، حمل بيان الميكانيزم إشارات واضحة إلى المسارين السياسي والاقتصادي، بإعلانه عن تركيز المشاركين المدنيين على تهيئة ظروف عودة السكان بأمان إلى منازلهم ودعم إعادة الإعمار ومعالجة الأولويات الاقتصادية. والكلام على إعادة السكان يتطابق تماماً مع ما تحدّث عنه بيان بعبدا ومع ما لفتت إليه اللجنة الاميركية اليهودية على منصة إكس، مشيدة باجتماع رأس الناقورة ومعتبرة أن “التعاون الاقتصادي والتنسيق لدعم الدعوة الآمنة للسكان الى منازلهم أمر بالغ الأهمية لمواجهة التحديات الامنية طويلة الأجل لتقويض حزب الله”.
ولكن، في معلومات “المدن”، من مصادر غربية، أن البحث تناول أكثر من فكرة اقتصادية وطريقة قد تؤمن الراحة للبلدين خلال عملية إعادة إعمار الجنوب ببطء. وإذا أدى تبادل الأفكار إلى تفاهم وأرضية مشتركة، فإن ذلك سيسقط فكرة إنشاء منطقة عازلة على الحدود شبيهة بمشروع “ريفيرا غزة”. وأما المصادر اللبنانية فتكتفي بالقول لـ”المدن” إن البحث تناول مواضيع عدة من دون تحديد طبيعتها، منها ما هو قابل للتنفيذ ومنها ما هو مستعصٍ. أما المؤكد فهو أن التفاوض قد يستغرق وقتاً وبالتالي لا بدّ من العمل بتكتّم وسريّة حرصاً على عدم إفشاله.
وفيما تصر الولايات المتحدة على الرعاية المباشرة للمفاوضات في حضور مورغان أورتاغوس، يبدو من الواضح أن أميركا لن تسمح بتكرار تجربة ما بعد الـ2006، حيث تمكّن حزب الله عبر خطة إعادة الإعمار من إعادة ترميم بناه التحتية. وهو موقف عبّر عنه أكثر من مسؤول أميركي في العلن وفي الكواليس، وبالتالي يفسّر ربط أي مساعدة دولية بحصر سلاح حزب الله، وفقاً للمعلومات.
الهاجس الاقتصادي والأمن
هذا في الشق الإقتصادي، أما في الشق الأمني فقد علمت “المدن” أنه جرى البحث في آلية التحقق أثناء كشف الجيش، وهي فكرة سبق أن أثارها وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان خلال لقائه بمسؤولين لبنانيين من دون الغوص في التفاصيل. وفيما يجري التداول بأفكار حول إمكانية مشاركة ضباط أميركيين وفرنسيين في عمليات التحقق التي يقوم بها الجيش، تقول المصادر إن عمليات التفتيش أساساً تتم بالتنسيق مع الميكانيزم وبمؤازرة من اليونيفيل، وبالتالي فإن حصر السلاح يتم في الأساس تحت إشراف دولي. وفي شق أمني آخر، عرض الجيش بشكل مفصّل ما أنجزه. وهنا تقول المصادر إن التوثيق الذي رفعه الجيش للميكانيزم أو حتى الجولة الديبلوماسية التي نظمها ساهما في تعزيز موقفه أمام المجتمع الدولي ولاسيما الولايات المتحدة التي يعتبرها الجيش راعياً أساسياً للمؤسسة العسكرية.
في هذا الوقت، تبقى العين على الجلسة الثالثة للوفدين المدنيين ضمن إطار الميكانيزم في 7 كانون الثاني والتي ستتزامن مع تقرير الجيش الشهري الذي من المفترض أن يقدّم إلى المجلس الوزراء في الأسبوع الأول من كانون الثاني، حيث من المتوقع أن يعلن العماد رودولف هيكل عن انتهاء المرحلة الأولى. والأنظار إذن ستتجه بعد اليوم إلى ما بعد انتهاء المرحلة الأولى، وما سيكون انعكاس ذلك على المفاوضات.
اجتماع الناقورة: عودةُ السكان وأمنٌ واقتصادٌ.. وتكتُّم .






