إنفانتينو “لبناني جديد” يفتح ملف الجنسية على مصراعيه

منح رئيس الجمهورية جوزاف عون في خطوة استثنائية وغير مسبوقة رئيس الفيفا جياني إنفانتينو الجنسية اللبنانية، ما أثار تساؤلات عدة حول دلالاته وأبعاده الفعلية.

لم يحتج رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” جياني إنفانتينو إلى الكثير من الوقت ليدخل إلى قلب النقاش اللبناني. فبين ليلة وضحاها، تحول الرجل من أحد أكثر الوجوه نفوذاً في عالم كرة القدم إلى حامل للجنسية اللبنانية (عن قريب بعد استكمال الأوراق)، في خطوة أثارت موجة واسعة من الفضول والتساؤلات، وجرعة لا بأس بها من السخرية الشعبية التي ترافق عادة كل ما يلامس ملف التجنيس في البلاد.

ففي خطوة استثنائية وغير مسبوقة في تاريخ الرياضة الدولية، منح رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون جنسية بلاده لإنفانتينو، تقديراً لدوره في دعم كرة القدم اللبنانية والوقوف إلى جانب لبنان والاتحاد اللبناني في ظروفه الصعبة.

وبينما رحب الاتحاد اللبناني لكرة القدم بهذه الخطوة واعتبرها “تكريماً مستحقاً” لشخصية دولية بارزة، شدد عون على أهمية هذه الخطوة التي تأتي انسجاماً مع العلاقة الوطيدة بين لبنان والـ “فيفا”، ومع المشاريع التي أسهم إنفانتينو في دعمها خلال السنوات الماضية لتعزيز البنية الكروية اللبنانية.

كذلك طلب عون من إنفانتينو استكمال المستندات والأوراق القانونية اللازمة لتوقيع مرسوم الجنسية اللبنانية بصورة نهائية في وقت لاحق، بما ينسجم مع الإجراءات الدستورية المعمول بها.

“مواطن جديد” يتمتع بثقل عالمي

الخبر لم يمر مرور الكرام. فلبنان، الغارق في أزماته السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وجد نفسه فجأة أمام “مواطن جديد” يتمتع بثقل عالمي. وبحسب ما تسرب، جاء التجنيس عبر مرسوم رسمي، من دون حملة ترويج أو تبريرات واضحة، الأمر الذي فتح الباب أمام تساؤلات عدة حول دلالاته وأبعاده الفعلية، خصوصاً أن رئيس الفيفا يحمل بالفعل الجنسيتين الإيطالية والسويسرية، فما الذي يمكن أن تضيفه له جنسية ثالثة؟ وهل تأتي هذه الخطوة فقط لأن زوجته لينا الأشقر لبنانية الأصل؟ أم أن هناك أبعاداً أخرى سياسية أو رياضية أو رمزية وراء هذا القرار؟

كل هذا دفع اللبنانيين إلى التفاعل بقوة مع هذا الملف عبر منصات التواصل الاجتماعي في الساعات الماضية، وفيما علق أحدهم “جياني إنفانتينو… مواطن لبناني!”، سخر أخرون بالقول إنه دخل “النادي” (اللبناني) من الباب العائلي الواسع؟ أما البعض فتساءل “ما السر الذي يجعل إنفانتينو ينجح حيث يعجز آلاف المولودين على الأرض اللبنانية عن نيل الجنسية نفسها؟”.

لماذا منحت له الجنسية؟

وفي السياق، حمل تصريح انفانتينو الإعلامي قبل ساعات وعوداً رياضية بأبعادٍ سياسية، عندما تعهد بناء ملعبٍ جديد لكرة القدم في بيروت يتّسع لنحو 30 ألف متفرج و”يرمز إلى دولة لبنانية تريد مستقبلاً مشرقاً”، وأضاف “نحن سنعطي جزءاً من هذا المستقبل عبر كرة القدم”.

يوضح رئيس الاتحاد اللبناني لكرة القدم هاشم حيدر، في حديث لـ “اندبندنت عربية”، أن “الاتحاد تقدم بطلب إلى رئيس الجمهورية جوزاف عون لمنح رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو الجنسية اللبنانية تقديراً لوقوفه الدائم إلى جانب لبنان والاتحاد”.

وأشار إلى أن “إنفانتينو تربطه بلبنان وبالاتحاد اللبناني لكرة القدم علاقة مميزة، نظراً لأصول زوجته السيدة لينا الأشقر اللبنانية، ولتردده المستمر على لبنان لقضاء إجازاته، حيث نشأت بينه وبين بلاد الأرز علاقة وطيدة”. وأضاف، “قدّم إنفانتينو في مناسبات عدة دعماً كبيراً لكرة القدم في لبنان، ويمنحه دائماً الأولوية في برامج الفيفا. كما أسهم في تقديم منح للاتحاد اللبناني لإقامة ملاعب حديثة لا قدرة للدولة اللبنانية على تأمين الموازنة اللازمة لإنشائها”.
وتابع حيدر، “أمام كل هذه العوامل، شعرنا أنه من الواجب منح السيد إنفانتينو الجنسية اللبنانية، ونحن نفتخر بحصوله عليها. وعلى هذا الأساس، تقدمنا منذ نحو شهرين بطلب إلى رئيس الجمهورية لمنحه الجنسية، فلبّى فخامة الرئيس الطلب خلال فترة زمنية قصيرة. وقد كانت الخطوة في محلها”.

وأوضح أن “زيارة إنفانتينو إلى لبنان تهدف إلى شكر الرئيس عون، والإعلان عن تقديم ملعبٍ بمواصفاتٍ دولية تصل كلفته إلى أربعين مليون دولار، على أن تقدم الدولة اللبنانية الأرض التي سيُبنى عليها الملعب في المناطق المحيطة بالعاصمة بيروت. وقد وعد رئيس الجمهورية بمتابعة هذا الموضوع”. وشدد حيدر على “أهمية هذا الملعب بالنسبة للبنان، إذ سيسمح بإقامة المباريات الدولية التي يُحرم منها حالياً، حيث تضطر المنتخبات اللبنانية إلى لعب مبارياتها خارج البلاد”.

ابحثوا عن الزوجة

منذ الإعلان عن منح إنفانتينو الجنسية اللبنانية، بات السؤال الذي يتردد على الألسن: هل حصل إنفانتينو على الجنسية لأنه زوج لبنانية؟

ففي بلد لا يزال يمنع المرأة من منح جنسيتها لعائلتها، يبدو هذا السؤال عصياً على الإجابة. كيف حصل الرجل على الجنسية بسهولة، بينما تقف آلاف العائلات اللبنانية أمام جدار قانوني لا يلين؟

ومع أن زواج إنفانتينو من لبنانية حقيقة معروفة، فإن الجواب الرسمي لم يصدر. ترك الأمر مساحة واسعة للتأويل، فاعتبر البعض أن “الروابط العائلية تخفف الطريق”، فيما رأى آخرون أن المسألة تتجاوز العاطفة إلى حسابات ترتبط بصورة لبنان وسعيه الدائم لاقتناص حضور دولي أينما أمكن.

وزيرة الرياضة: الخطوة مميزة

وينقل مقربون من رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم أن الخطوة عنت له كثيراً، وأنه يعتبر نفسه لبنانياً قبل أن تُمنح له الجنسية، نظراً لمحبته الكبيرة للبنان التي بدأت مع ارتباطه العائلي في عام 2001 بزوجته المولودة في لبنان، وهو علق في تصريح إعلامي قبل ساعات بالقول “إنني لبناني منذ سنوات”، في إشارة إلى زواجه من لبنانية.
من جهتها، أكدت وزيرة الشباب والرياضة لورا بيرقداريان أنه “ليس خافياً أن الرغبة في الحصول على الجنسية اللبنانية أتت من إنفانتينو نفسه”، متمنيةً أن “يدرك اللبنانيون قيمة جنسيتهم وبلدهم كما عرف إنفانتينو قيمتها”.
ووصفت بيرقداريان قرار منحه الجنسية بـ”القرار المميز”، مشيرةً إلى أن “له دلالات مهمة تتمثل في أن لبنان يسلك طريق الانفتاح ويسعى إلى اتخاذ خطوات عملية لتجسيد العلاقات ومدّ الجسور مع قمم العالم، وإنفانتينو يُعدّ قمة في عالم الرياضة بصفته رئيساً للفيفا”. واعتبرت الوزيرة أن هذا الأمر “فخر للبنان ويشكل في الوقت نفسه حافزاً للرياضيين بشكل عام ولاعبي كرة القدم بشكل خاص”. وكشفت أنه في اللقاء الذي جمعها به، توجهت إليه بالقول: “بتنا شركاء في المواطنة”، طالبةً منه إبقاء لبنان أولوية وتقديم دعمه الشخصي لتنفيذ المشاريع الرياضية التي وضعتها وزارة الشباب والرياضة”. وأكدت أن “هناك خططاً كبيرة يأمل لبنان بتحقيقها”.

إنفانتينو برفقة زوجته اللبنانية لينا الأشقر (ا ف ب)

شروط منح الجنسية بحسب الدستور اللبناني

بعيداً عن إنفانتينو نفسه، أعاد هذا الملف تسليط الضوء على واحدة من أكثر المسائل حساسية في لبنان: آلية التجنيس. ففي وقت يواجه فيه عشرات الآلاف صعوبات في تثبيت هوياتهم أو الحصول على الجنسية رغم جذورهم اللبنانية، وفي ظل استمرار حرمان المرأة من نقل جنسيتها إلى أبنائها، يبرز منح الجنسية لشخصيات عالمية كعلامة استفهام إضافية حول المعايير، والشفافية، والجهة التي تُقرر، ولماذا.

يشرح الأستاذ الجامعي في القانون الدستوري الدكتور عادل يمين أن أحكام الجنسية اللبنانية تنظم بموجب قانون الجنسية اللبنانية الصادر في 19 يناير (كانون الثاني) 1925 وتعديلاته، وينص على طرق ثلاث تمنح من خلالها الجنسية اللبنانية.

أولاً: الجنسية بالولادة حيث يكتسب الجنسية اللبنانية تلقائياً كل من وُلد من أب لبناني، أما اكتسابها بواسطة الأم فلا تزال قضية خلافية.

ثانياً: التجنيس العادي من خلال الإقامة المتواصلة في لبنان لمدة خمس سنوات على الأقل، شرط أن يتمتع الممنوح الجنسية بحسن السيرة والسلوك وألا يكون صادراً بحقه أي حكم بجناية أو جنحة، كما عليه إثبات وسائل مشروعة للعيش، ومعرفة إحدى اللغات المتداولة في لبنان (العربية أو الفرنسية).

ثالثاً: التجنيس الاستثنائي كما في حال رئيس الاتحاد العالمي لكرة القدم. إذ يحق لرئيس الجمهورية وبموجب مرسوم رئاسي عادي، يوقع معه عليه رئيس الحكومة ووزير الداخلية والبلديات، منح الجنسية اللبنانية للأجنبي الذي يؤدي للبنان خدمات ذات شأن، من دون التقيد بشروط الإقامة، ويجب أن يكون قبوله بموجب قرار مفصّل الأسباب.

ويختلف التجنيس الاستثنائي عن العادي الذي يتطلب شروطاً أكثر صرامة.​​

وشهد لبنان على مرّ السنين على حالات فردية لشخصيات بارزة مُنحت لهم الجنسية اللبنانية ومنهم كارلوس غصن رجل الأعمال البرازيلي- اللبناني الأصل. كما مُنحت الجنسية لعدد من الرياضيين من أصول لبنانية للعب ضمن المنتخبات الوطنية. وحصل عدد من رجال الأعمال الخليجيين والعرب على الجنسية اللبنانية مقابل استثمارات في بلاد الأرز.

إنفانتينو “لبناني جديد” يفتح ملف الجنسية على مصراعيه .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...