في خضمّ التحوّلات المتسارعة في أميركا اللاتينية، تبرز مجدداً الاتهامات التي تطال النظام الفنزويلي برئاسة نيكولاس مادورو، وهذه المرّة من بوابة لبنان. فزعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو، الحائزة جائزة نوبل للسلام لعام 2025، أثارت ضجة واسعة بعد تصريحها أنّ حكومة مادورو “أصدرت أكثر من عشرة آلاف جواز سفر لعناصر من حزب الله اللبناني”، في إطار تعاون وثيق مع إيران.
ماتشادو التي تحدّثت من ميامي خلال مشاركتها في منتدى الأعمال الأميركي، ذهبت أبعد حين وصفت فنزويلا بأنها “تابع لإيران يعمل من قلب القارة الأميركية”. وعرضت ما وصفته بـ”التحالف العسكري – المالي” بين كراكاس وطهران، مشيرة إلى تدريب قوات من الحرس الوطني الفنزويلي، وصناعة طائرات مسيّرة، واستخدام النظام المالي لغسل أموال جماعات مرتبطة بإيران، بينها “حزب الله”.
هذه التصريحات لم تمرّ مرور الكرام في واشنطن. فقبل أسابيع، قدّمت لجنة الأمن الداخلي في الكونغرس الأميركي تقريراً تضمن اتهامات مشابهة، نقلاً عن مسؤولين سابقين في مكافحة الإرهاب، أفادوا بأن فنزويلا “أصدرت أكثر من 10 آلاف جواز سفر لأفراد من سوريا ولبنان وإيران، بعضهم مرتبط بحزب الله أو حركة حماس”. التحذيرات التي صدرت في جلسة استماع علنية في الكونغرس، وصفت فنزويلا بأنها “ملاذ آمن لحزب الله في أميركا اللاتينية”، معتبرة أن نظام مادورو يؤمّن للجماعة اللبنانية شبكة واسعة للتهريب وغسل الأموال في المنطقة.
في السياق نفسه، نقلت شبكة “فوكس نيوز” الأميركية أنّ السيناتور الجمهوري بيرني مورينو توقّع تحركاً أميركياً قريباً لإطاحة مادورو، واصفاً إياه بأنه “رئيس كارتيل وليس رئيس دولة”. بينما وصفت ماتشادو نظام مادورو بأنه “هيكل إرهابي مرتبط بتجارة المخدرات والذهب والبشر”.
ولكن خلف الضجيج السياسي والإعلامي، تبرز أسئلة عملية لا بدّ من طرحها: هل هذه الجوازات قانونية وشرعية فعلاً؟ وهل تصدر بأسماء جديدة؟ وكيف يمكن أن يستفيد منها “حزب الله”؟
بحسب خبراء في التوثيق الجنائي، فإن الجواز الفنزويلي الصادر عن مؤسسة الدولة (SAIME) يعدّ قانونياً من حيث الشكل، إذ يحمل رقماً متسلسلاً وتوقيعاً رسمياً، إلا أن شرعيته الفعلية تتوقف على طريقة إصداره. فإذا أعطي جواز لشخص غير فنزويلي عبر إدخال بيانات مزوّرة أو شراء هوية، يكون “جوازاً شرعياً شكلاً، لكنه غير شرعي قانوناً”. وهذا النمط سبق أن كُشف في تقارير وتحقيقات عن فساد في الإدارات القنصلية الفنزويلية بين عامي 2010 و2019.
أما عن الأسماء، فقد أظهرت تحقيقات غربية ثلاث صيغ محتملة: جوازات بأسماء مواطنين حقيقيين حصلوا على الجنسية بوسائل غير قانونية، جوازات حقيقية تحمل أسماء معدّلة في السجلات الرسمية، أو وثائق مزوّرة بالكامل لا تتطابق مع قاعدة بيانات الدولة. في كل الحالات، يبدو أنّ الأداة واحدة: هوية جديدة تفتح الأبواب المغلقة.
وإذا صحّت المزاعم، فإنّ استخدام هذه الجوازات يتعدى السفر إلى أغراض سياسية أو عسكرية. فالجواز الفنزويلي يسمح بدخول أكثر من 120 دولة من دون تأشيرة مسبقة، ما يتيح حرية تنقل عالية لمن يريد إخفاء هويته الأصلية، أو فتح شركات وحسابات مصرفية، أو التحرك في مناطق لا يُسمح بها لحاملي الجواز اللبناني. كذلك يمكن أن يُستغلّ لأغراض مالية وتجارية ضمن شبكات التهريب وغسل الأموال التي تتحدث عنها التقارير الأميركية.
مع ذلك، يبقى الجوهر في إثبات الوقائع. فحتى الآن لم تنشر لائحة رسمية أو أدلة علنية تظهر أرقام الجوازات أو هوية حامليها. وكل ما هو متاح يقوم على شهادات واتهامات متبادلة في ظل صراع طويل بين المعارضة والمعسكر الموالي لمادورو.
جوازات سفر من كاراكاس إلى الضاحية… ادعاء أو وقائع؟ .




