الحاكِم كريم سْعَيْد و”جمهورية الكاجو”

منذ خمس سنوات، وتحديدًا في مطلع تموز من العام 2020، وبعد قرابة الثمانية أشهر على “ثورة 17 تشرين”، أطل وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة الرئيس حسان دياب، راوول نعمة، ليعلن قرار “تنظيم عملية دعم السلة الاستهلاكية الموسعة وموادها الأولية والصناعية”، وأرفق القرار بـ “لائحة السلة الاستهلاكية الموسعة وموادها”، اللائحة المؤلفة من تسع صفحات، امتلأت بالسلع المدعومة، ومنها “جوز الكاجو”، واللوز والقهوة السريعة التحضير ومبيض القهوة.

مَن دقق في اللائحة صُعِق، للوهلة الأولى جرى الاعتقاد بأن اللائحة ستضم المواد الغذائية الأساسية التي يحتاج إليها المواطن، والتي لا بد من دعمها، وبالتأكيد ليس الكاجو واللوز، من السلع الأساسية.

وزير الاقتصاد تنبَّه في القرار إلى أن المعنيين فيه، من حيتان المواد الغذائية ومافياتها، من مستوردين وتجار جملة ومفرق، سينقضون على القرار ويلتفون عليه، فضمَّنه الإجراءات التالية: “يترتب على كل مَن يخالف أحكام هذا القرار حرمانه من مفاعيله وإلزامه بإعادة قيمة الدعم إلى مصرف لبنان، وإحالة المخالِف إلى المراجع القضائية”.

جميع الذين استفادوا من الدعم خالفوا القرار لكنهم “لم يُحرموا من مفاعيله ولم يُلزموا بإعادة قيمة الدعم إلى مصرف لبنان ولم تتم إحالتهم إلى المراجع القضائية” كما ورد في قرار الوزير، فعلوا كل هذه المخالفات في النصف الثاني من العام 2020، أي أنه مرَّ على مخالفاتهم خمسة أعوام، وارتكبوا كل المخالفات ومنها:

بيع السلع المدعومة في دول أوروبية وأفريقية، فكانت تظهر في المتاجر وعليها دمغة “مدعوم”.

جرى تحويل تلك الأموال إلى الخارج، ومعظمها لم يُستعَمل للاستيراد بل بقي في الخارج واستُعمِل للاستثمارات، وهناك معطيات موثقة ومصورة عن مستفيدين من أموال الدعم، ظهروا في صور في أميركا، مشاركين في مؤتمرات ومعارض استثمارية هناك.

حسنًا فعل حاكم مصرف لبنان، كريم سعَيْد، بأن أطلق مسار إجراء التدقيق المالي والجنائي الخارجي للمستفيدين كافة من برنامج دعم الحكومة للسلع بعد تاريخ 17/10/2019، وأن “الهدف من هذا الإجراء تدقيق مالي وجنائي خارجي يشمل برنامج الدعم الذي أطلقته الحكومات السابقة كما يشمل عمليات تحاويل مبالغ إلى حسابات مصارف في الخارج كما والنفقات المسددة نيابة عن الدولة والتي جرت في الفترة ذاتها مع برنامج الدعم ( 2019-2023) بالإضافة إلى تحديد واسترداد وتصحيح أي مدفوعات غير مشروعة أو أية عملية إساءة استخدام للأموال العامة أو أي تجاوز للسلطة قد يكون حصل في سياق عمليات الدعم السابقة.

حين يتحدث الحاكم عن ” تصحيح أي مدفوعات غير مشروعة أو أية عملية إساءة استخدام للأموال العامة أو أي تجاوز للسلطة”، فإنه يكون بذلك قد وضع يده على المخالفات، وأراد الذهاب بها إلى “تدقيق جنائي”، لكن الأمر يحتاج إلى ما هو أسهل من ذلك، فوزير الاقتصاد السابق راوول نعمة حدد الإجراءات حين تحدث عن أن من “يخالف أحكام هذا القرار يُحرَم من مفاعيله ويُلزَم بإعادة قيمة الدعم إلى مصرف لبنان، وإحالة المخالِف إلى المراجع القضائية” ولأنهم خالفوا، فلماذا لا يطالب الحاكم المستفيدين بإعادة قيمة الدعم إلى مصرف لبنان؟

الإجراء بسيط، فلتُعلَن لوائح المستفيدين من أموال الدعم، وقيمة الأموال التي استفادوا منها، وطريقة السداد، وكيف تمت، ولتُقدَّم فواتير الاستيراد، عندئذ يظهر كيف ضاعت أموال الدعم؟ وفي أي حسابات دخلت.

“لأخذ العِلم” الأموال التي صُرِفَت على الدعم، بين مواد غذائية وأدوية قاربت الثمانية مليارات دولار، كان هناك “ضغط رئاسي وحكومي” لصرف أموال الدعم، وكان مصرف لبنان ملزمًا بالاستجابة من خلال بيع الدولار على 1500 ليرة، كان الدواء يُهرَّب إلى سوريا، وكان وزير الصحة المحسوب على “حزب الله” عالمًا بالأمر، وكانت المواد الغذائية تباع في أوروبا وأفريقيا، بمعرفة وزير الاقتصاد وبإدارة مباشرة من النقابات المعنية. كانت الكلفة الشهرية لدعم المواد الغذائية مئة مليون دولار والأدوية ثمانين مليون دولار، وكان حاكم مصرف لبنان رافضًا لها ويحذر منها، ولاحقًا أوقفها بعدما كان ينفذها بطلب رئاسي وحكومي ووزاري، ويومها كتبت إحدى صحف الممانعة العنوان التالي:”وقف الدعم أولوية سلامة”.

اليوم يضع الحاكم كريم سعيد يده على الملف، على أمل أن يسير به إلى النهاية.

الحاكِم كريم سْعَيْد و”جمهورية الكاجو” .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...