الشرع في أميركا والمعركة بالبقاع: ما بعد إيران و”الإرهاب”

أحمد الشرع في البرازيل. إنها الزيارة الأولى لرئيس سوري يشارك في قمة المناخ. شاءت الأقدار أن تنعقد القمة في جوار فنزويلا، التي تشخص إليها أنظار العالم. فواشنطن تواصل ضغوطها على كاراكاس مع تلويح بالعملية العسكرية، لفرض تغيير كامل. روسيا تراقب ما يجري هناك بقلق، فتعمل على تزويد إيران بالصواريخ والأسلحة، ما يندرج في سياق مشاغلة الأميركيين. كل الأنظار تتجه نحو ما ستقدم عليه الولايات المتحدة، فمسار فنزويلا يرسم ملامح أميركا اللاتينية، وله انعكاس على روسيا وإيران، ما يعني انعكاساً على الحرب في أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، وعلى الوضع في الشرق الأوسط، مع تشديد الضغوط على طهران للقبول بالشروط وتغيير توازنات المنطقة ووقائعها، أو أن يتم فرض ذلك بعملية عسكرية. 

 

سوريا في المقلب الغربي  

في رمزية زيارات الشرع أيضاً، أن تكون سوريا أحمد الشرع، في المقلب الغربي تماماً، بخلاف ما كانت عليه طوال عقود سلفت حليفة لفنزويلا، إيران، الاتحاد السوفياتي وكوريا الشمالية. من البرازيل، ينتقل أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأميركية، للانخراط أكثر في توثيق العلاقة مع أميركا، على وقع تجديد مهمة الموفد الأميركي إلى سوريا توم باراك وسحب تكليف جويل ريبورن بمهمة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى. ومعروف أن باراك هو أكثر المتحمسين للشرع وحكومته ولتعزيز العلاقة بين تركيا وسوريا مع الدول العربية، وهو يضغط على قوات سوريا الديمقراطية للانخراط في اتفاق مع الدولة السورية. وسيبحث الشرع في واشنطن مسار تطوير العلاقة السورية الأميركية. وقد سارعت الإدارة الأميركية إلى تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن لرفع العقوبات عن الشرع وأنس خطاب. ولذا، فإن زيارة الشرع للصين واجبة لتجنب أي فيتو، وهو زار روسيا سابقاً. 

 

… وتحارب الإرهاب والتهريب

مع ترامب، ستنضم سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، وهو التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، إلى جانب رفع قانون قيصر عن سوريا من خلال لقاءات سيعقدها مع مشرعين في الكونغرس، والانضمام إلى النظام المالي العالمي لمكافحة اقتصاد الكاش وتبييض الأموال، ومنع أي تنظيمات مصنفة على لوائح الإرهاب من الإستفادة من الاقتصاد السوري أو من عمليات التهريب، ما يعني ذلك ارتباطاً حكمياً بمسألة ضبط الحدود ومنع التهريب. ولن يغيب مسار التفاوض السوري الإسرائيلي عن نقاشات البيت الأبيض، إذ ستدفع واشنطن بقوة باتجاه توقيع اتفاق ترتيبات أمنية في الجنوب السوري.

 

توازنات جديدة في الشرق الأوسط

يُراد لزيارة الشرع، وربطها بالوصول إلى اتفاق مع إسرائيل، بالإضافة إلى كل التطورات التي تشهدها المنطقة، أن تؤسس لمشهد جديد بتوازنات جديدة في ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر، تجاه لبنان وإيران، بينما هناك مساع أميركية لتفادي التصعيد وتحقيق النتائج المطلوبة من خلال الضغط السياسي، أما في حال لم يتحقق ذلك، فكل المؤشرات تفيد بأن المواجهة العسكرية ستكون حتمية. 

 

إيران بعد عام من الآن

في المعطيات، هناك تحضيرات إسرائيلية لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران، وضد حزب الله، من دون اتضاح ماهية هذه الضربة وإذا كانت ستتم ضد إيران وحلفائها بشكل متزامن، أو إن ضربة ستسبق الأخرى. وبحسب ما يقول مسؤولون أميركيون، فإن أي ضربة أو اتفاق لا بد أن ينتج عنه تغيير كبير في إيران ويؤثر على الخارج، تماماً كما هي وجهة النظر الأميركية بالنسبة إلى فنزويلا. أحد المسؤولين الأميركيين قال قبل أيام إنه بعد سنة من الآن ستكون إيران قد تغيرت أو دخلت في مدار سقوط النظام، ولا بد من الاستعداد لمواكبة هذه الوقائع.

 

نتنياهو وتوازنات الإقليم 

هنا، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن يتفاهم مع الأميركيين على رسم توازنات المنطقة بنفسه، ومن دون أي شريك آخر. لذا هو يعارض أي دور تركي في غزة، أو في سوريا أو حتى لبنان، كما يعارض أي دور سوري خارج حدود سوريا، ولا يزال يصرّ على إشغال سوريا بمشاكل داخلية. في مقابل وجهة نظر نتنياهو، هنا وجهة نظر توم باراك الذي يتحدث عن التكامل بين تركيا، سوريا، ودول الخليج لإدارة شؤون المنطقة بناء على تفاهمات واتفاقات مع إسرائيل، أي الدخول في مسار التطبيع السياسي والاقتصادي وأشكاله المختلفة. 

 

فراغات الشرق الأوسط بخروج إيران

تجتمع النظرة الدولية على أن أي تغيير سيصيب إيران، لجهة موافقتها على الشروط الأميركية، ومن ضمنها التخلي عن دعم حلفائها في المنطقة، ستنتج عنه فراغات كبيرة. ولا بد لجهات إقليمية أن تعمل على تعبئة هذه الفراغات، إضافة إلى تعزيز كل دولة لتعبئة الفراغ على أراضيها، مثل رفع شعار دعم الجيش اللبناني لاحتكار السلاح والسيطرة على الوضع، أو مكافحة الاقتصاد الموازي وشركات تحويل الأموال لصالح إعادة الثقة بالمصارف، أو تحضير مؤسسات مختلفة تربوية، صحية، واجتماعية تكون جاهزة لتحل مكان المؤسسات التي مُوِّلت من إيران أو من أي جهة أخرى. وفي هذا الإطار، اندرجت زيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس لوزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد. فما يجري في لبنان هو نفسه ما يجري في غزة من خلال البحث عن الجهة السياسية أو الاجتماعية أو الأمنية التي ستمسك زمام الأمور على الأرض. وفي سوريا يتركز خيار واشنطن والقوى الدولية على أن تكون دمشق هي صاحبة تعبئة الفراغ. 

 

لبنان عاجز

ولذلك، فإن البحث مع الشرع يتركز على ضرورة إنهاء ملف المقاتلين الأجانب، والانتهاء من مسألة الفصائلية العسكرية، ومأسسة كل القوى العسكرية ضمن التشكيلات الرسمية. هنا تعتبر واشنطن وتل أبيب أن الدولة اللبنانية عاجزة حتى الآن عن تعبئة الفراغ، لذا يتم طرح منطقة اقتصادية أو منطقة عازلة، ويتم طرح إدخال قوات دولية إلى الجنوب، أو توسيع نطاق عمل الميكانيزم. بينما نتنياهو يرفض أي دور لأي جهة غير أميركية في لبنان، وخصوصاً في الجنوب. ويعتبر أنه هو الذي يريد تعبئة الفراغ الإيراني ولا أحد غيره. 

 

إسرائيل تريد السيطرة وحدها

في المقابل، فإن الأميركيين والعرب والأتراك يعتبرون أن هناك إمكانية لأن تلعب سوريا دوراً في لبنان على قاعدة التفاهم والتكامل، وليس على قاعدة الوصاية السابقة، وهو ما ترفضه تماماً تل أبيب التي تريد أن تكون وحدها ممسكة بزمام الوضع اللبناني، إنطلاقاً من السعي الإسرائيلي إلى التصعيد العسكري والأمني وفرض وقائع جديدة واتفاق ترتيبات أمنية من خلال المفاوضات. وإسرائيل ستحارب حزب الله مستندة على تصنيفه إرهابياً من جانب الولايات المتحدة الأميركية، وإذا أبرمت اتفاقها الأمني مع دمشق، واحتفظت بنقطة مرصد جبل الشيخ، فإنها ستكون مسيطرة بالنار على طريق دمشق بيروت، ومشرفة على الجنوب اللبناني وعلى البقاع. ومن هناك بإمكانها أن تتحرك في أي عملية عسكرية لفصل الجنوب عن البقاع، وتطويق حزب الله وقطع طرق إمداده. 

 

المعركة القاسية في البقاع

بالنسبة إلى إسرائيل، المعركة القاسية ستكون في البقاع، حيث يدعي الإسرائيليون أن في تلك المناطق الجردية الوعرة يتمكن حزب الله من حماية مخزونه التسلحي من الصواريخ الدقيقة والبالستية والصواريخ الموجهة والطائرات المسيرة، ما يعني أن معركتها ستكون قاسية هناك، وهي تعتبر أن الحزب لا يزال يتمكن من تهريب الأسلحة من سوريا. لذا، إن الاتفاق الأمني مع دمشق، وانضمام الأخيرة إلى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، لا بد أن تكون له انعكاسات على الوضع في لبنان. 

 

خطوط حمر سورية- إسرائيلية

على الرغم من اختلاف التوجهات بين إسرائيل، وقوى إقليمية وعربية حول كيفية التعامل مع وقائع المنطقة وتطوراتها، وإذا لم يتم الوصول إلى توقيع اتفاق أمني بين إسرائيل وسوريا، فإن خطوطاً حُمراً رُسمت بين الطرفين، وهي تجنب أي تصعيد عسكري كبير. لكن إسرائيل في رؤيتها لتغيير وجه المنطقة، تريد أن تكون هي صاحبة الوصاية الأمنية أو السياسية في لبنان، وتريد أن تتصرف معه وكأنه ضفة شمالية مشابهة لتعاملها مع الضفة الشرقية، وهو ما يظهر من خلال الشروط التي تضعها تل أبيب للتفاوض مع لبنان والتوصل إلى اتفاق على التنسيق الأمني وكيفية إدارة المنطقة العازلة في الجنوب، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على الوقائع والتوزانات السياسية في الداخل. 

الشرع في أميركا والمعركة بالبقاع: ما بعد إيران و”الإرهاب” .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...