في منطق “حزب الله” أنه نفذ الجزء المتعلق به في اتفاق وقف الأعمال العدائية جنوب الليطاني حصرا، مصرّا على تفسيره الاتفاق بأنه يتعلق بجنوب الليطاني فحسب، فيما إسرائيل التي يتعين عليها تنفيذ انسحابها كليا من لبنان ووقف استهدافاتها له لم تنفذ الجزء المتعلق بها. وهذا مدخل للقول إن نزع سلاحه في جنوب الليطاني قد تم، فيما يتمسك بعدم نزعه في لبنان ككل. وفي منطقه أيضا أن لا حاجة بلبنان إلى التفاوض مع إسرائيل حول هذه البنود الواردة في الاتفاق، وأن على إسرائيل تنفيذها فحسب، ولا ضرورة لفتح باب التفاوض على أمور مسلّم بها برعاية أميركية وفرنسية، فيما التفاوض يجب أن ينحصر بالحدود فحسب. ويرى الحزب أن على الدول الراعية للاتفاق أن تحقّقه وتنجزه وتضغط على العدو الإسرائيلي لينفذه، أما منطق السلطات الرسمية في لبنان فيقارب ذلك بتناغم مع الحزب إلى حد كبير، باعتبار أن التفاوض غير ضروري على بنود وردت في الاتفاق، ويفترض أن يتناول الحدود وربما الهدنة وما إذا كان يجب إدخال تعديلات عليها بحكم تطور الأمور. وتجاري السلطات الحزب في وجوب الضغط على إسرائيل لتنفيذ التزاماتها، لكنها لا تذهب مذهبه في حصره الاتفاق الذي ستمر سنة على توقيعه في 27 تشرين الثاني، بتسليم سلاحه في جنوب الليطاني فحسب.
لا يملك لبنان ولا الحزب وسائل الضغط على إسرائيل أو الأوراق اللازمة للضغط عليها لتنفيذ التزاماتها. ومن وجهة نظر أميركية رسمية وغير رسمية، وافق الحزب على نزع سلاحه في كل لبنان وليس في جنوب الليطاني في الاتفاق الذي فاوض عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري نيابة عنه وبتكليف منه، فيما هو يخل بالاتفاق بتأكيده رفض نزع سلاحه.
وفي المنطق الغربي أن الحزب الذي رتب هزيمة على لبنان في وجه إسرائيل نتيجة دخوله حرب إسناد غزة، يرفض الإقرار بهزيمته وهزيمة الدولة اللبنانية، ومن غير المقبول خارجيا أن يبقى دولة من ضمن الدولة اللبنانية، أو أن يتحكم في قراراتها. وثمة إخلال فاضح من إسرائيل بتنفيذ التزاماتها، ولكن لا أحد قادر على الضغط عليها، وكل الدول المؤثرة توافقها على حماية حدودها وإنهاء الحال الشاذة للحزب في لبنان. والولايات المتحدة، الوحيدة القادرة على الضغط على الحكومة الإسرائيلية، تؤيدها في كل مقاربتها للوضع في لبنان.
رئيس الجمهورية جوزف عون يؤكد أن لا خيار أمام لبنان سوى التفاوض لتجنيبه حربا يحذر منها الخارج الصديق بقوة، علما أنه من غير الواضح إذا كان سينجح في ذلك أو لا، وكثر يعتقدون أن عدم تظهير إرادة لنزع سلاح “حزب الله” ليس جنوب الليطاني بل في شماله ومناطق أخرى، سيجعلُ حرباً أخرى مع إسرائيل حتمية.
في المقابل، يتعامل الحزب مع ملف سلاحه كملف تفاوضي طويل الأمد بعوامل داخلية وخارجية تعبّر عنها التدخلات الإيرانية في الوقت المناسب للتذكير بذلك، وفق ما بادر مسؤول الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني في رده على الموفد الأميركي توم براك حول نزع سلاح الحزب. والأهم أن الحزب يسعى بكل وضوح إلى إضاعة الوقت حتى موعد الانتخابات النيابية، مراهنا على تجديد شرعيته السياسية وحماية سلاحه عبر صناديق الاقتراع، في ظل تساؤلات جدية عما إذا كانت التهديدات والاستهدافات الإسرائيلية تحفز رأيا عاما شيعيا ضده أو العكس، كما حصل في الانتخابات البلدية، حيث ضغط الثنائي الشيعي لتزكية مرشحيه بسبب الحرب الإسرائيلية.
بمعنى أوضح، تقول المصادر إن “حزب الله” يريد تحويل المفاوضات في شأن سلاحه إلى أمد بعيد، وإعطاء إيران ورقة قوة تستطيع التشدد والتفاوض حولها متى ذهبت إلى تفاوض مع الولايات المتحدة، علما أن إبقاء هذا الملف من دون حسم قد يسمح لـ”حزب الله” ببناء ترسانته العسكرية.
موقفان لافتان أحدهما للموفد الأميركي السابق آموس هوكشتاين، علما أنه كان موفدا لإدارة الرئيس جو بايدن، وقد اعتبر “أننا نولي أهمية كبيرة لإعادة الإعمار في غزة وننظم مؤتمرات، ويجب أن نفعل الأمر عينه للبنان”. والموقف الآخر للسفير في لبنان سابقا ريان كروكر الذي زار لبنان وسوريا من 12 إلى 17 تشرين الأول المنصرم، ضمن وفد صغير نظمه مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في واشنطن، وقال إنه “قد يتطلب المضي قدماً في هذا المسار أن تقبل الولايات المتحدة (وإسرائيل) بتأجيل الموعد النهائي لنزع السلاح إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية اللبنانية في الربيع، مما يتيح مجالاً لتطوير قيادة سياسية شيعية بديلة”. وهذا يثير تساؤلات عما إذا كان تحقيق الحزب خطوات ما سيعزز تمسكه بموقفه.
الإشكالية السلبية للبنان أن أجواء الحرب تطغى حتى على التحضيرات لزيارة البابا لاوون الرابع عشر وعلى إمكان زيارة مغتربيه في الأعياد، فيما يراهن البعض على ألا تضحي إيران بما تبقى من الحزب، فتفقد ورقة نفوذها في لبنان.
هل تضحي إيران بما تبقى من “الحزب”؟ .




