أورتاغوس “الهادئة”: “لدينا شهود على تهريب الصواريخ”

ماذا حملت الموفدة الأميركيّة مورغان أورتاغوس إلى بيروت؟ ماذا دارَ في اجتماع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائيّة؟ هل من تصعيدٍ إسرائيليٍّ واسع؟

 

اختلفَت زيارة مورغان أورتاغوس الأخيرة لبيروت عن زياراتها السّابقة. كانت نائبة المبعوث الأميركيّ لشؤون الشّرق الأوسط أكثر دبلوماسيّةً وابتعدَت ما أمكنَ عن عدسات الكاميرات على عكس ما كانت تحرص عليه كُلّما حطّت طائرتها على أرضِ لبنان.

لا تنفصل جدّيّة الأداء عن جدّيّة الزّيارة هذه المرّة. إذ حملَت المُوفدة الأميركيّة 3 ملفّات مهمّة في جعبتها:

1- البحث في إطلاق مسارٍ تفاوضيٍّ بين بيروت وتل أبيب.

2- تقارير تُفيد بأنّ “الحزبَ” يعيدُ بناء قدراتهِ العسكريّة.

3- الاطّلاع على جهود الجيش اللبنانيّ في تنفيذ المرحلة الأولى من خطّة حصر السّلاح بيد الدّولة، والتي بدأت في قطاع جنوب نهر الليطانيّ.

المُفاوضات مُباشرة أو سياسيّة

تريد الولايات المُتّحدة تغيير المسار التّفاوضيّ القائم بين لبنان وإسرائيل منذ عام 1949، تاريخ إبرام “اتّفاق الهدنة”. إذ اتّسمَ هذا المسار بعنوانٍ واحدٍ هو “التفاوض غير المُباشر عبر لجانٍ عسكريّة”، باستثناء مرحلة إبرام اتّفاق 17 أيّار.

ترى واشنطن أنّ الوقت مُناسب لكسرِ “Taboo” التفاوض اللبنانيّ – الإسرائيليّ، والانتقال إلى ضفّة التّفاوض الأمنيّ – السّياسيّ المُباشر، وذلكَ انطلاقاً من التّجربة الإسرائيليّة – السّوريّة التي بلغت مرحلة مُتقدّمة لإبرام اتّفاقٍ سيُبصرُ النّور قريباً.

سيدفع التقدّم في المسار السّوريّ، بحسب ما يرى الأميركيّون، بتقدّمٍ على المسار اللبنانيّ. ذلكَ أنّ البلدَيْن  مرتبطان أحدهما بالآخر في ما يتعلّق بمسألة الصّراع مع إسرائيل، بغضّ النّظرِ عن شكلِ الحُكم في سوريا أو لبنان.

لهذا كانت أورتاغوس تحملُ مُقترحَيْن بشأن شكلِ المُفاوضات، التي يُراد منها أن تكونَ عمليّة سلامٍ تُمهّدُ لاحقاً لما هو أبعد من ذلك.

1- أن تبدأ مُفاوضات مُباشرة بين وفدَيْن لبنانيّ وإسرائيليّ على مستوىً أمنيّ – سياسيّ برعاية أميركيّة، تُشبه تماماً المفاوضات التي أجراها وزير الخارجيّة السّوريّ أسعد الشّيبانيّ ورئيس هيئة الاستخبارات العامّة حسين السّلامة مع وزير الشّؤون الاستراتيجيّة الإسرائيليّة رون ديرمر ومسؤولين من “الموساد” و”الشّاباك” والأمن القوميّ.

لم يلقَ هذا المُقترح رحابةَ صدرٍ لبنانيّة على مستوى الرّئاسات الثلاث. إذ إنّ الرأيّ السياسيّ السّائد في لبنان هو عدم الدخول في مُفاوضات على هذا المُستوى ما دامت معالجة “الملفّات الخلافيّة” ممكنة عبر التّفاوض غير المُباشر، علاوة على صعوبة البدء بمُفاوضات في ظلّ الاعتداءات الإسرائيليّة واحتلال النّقاط الـ5، التي هي في الحقيقة 7، في جنوب لبنان.

2- أن يتوسّع إطار التّفاوض عبر لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائيّة ليضمّ سياسيّين ودبلوماسيّين، وأن يبقى في إطار “التّفاوض غير المُباشر”. لم يلقَ هذا المُقترح رفضاً لبنانيّاً لأنّه تحت عنوان “التفاوض غير المباشر”. لكنّ المُعضلةَ هي في المستوى الذي سيُشارك به لبنان في هذه المفاوضات.

تُريد واشنطن أن يكونَ توسيع الوفد اللبنانيّ على مستوى وزاريّ أو دبلوماسيّ رفيع، وليسَ على مستوى الخبراء أو التقنيّين. وهذا ما لم يحسمه لبنان حتّى اللحظة.

تحذير من تعافي “الحزب”

حملت أورتاغوس “تحذيراً دبلوماسيّاً هادئاً” من تقارير أميركيّة وإسرائيليّة تُفيد أنّ “الحزبَ” يعيدُ بناء قدراته العسكريّة ويعمل على تهريب الصّواريخ عبر الحدود مع سوريا. إذ أطلعَ الإسرائيليّون الموفدة الأميركيّة على تقارير واعترافات وصور توثّق أنّ “الحزبَ” يُعيد بناء قدراته العسكريّة، وتحديداً في منطقة البقاع الشّماليّ.

بحسب معلومات “أساس” عرض الإسرائيليّون أمام أورتاغوس اعترافات لسوريّين اعتقلهم الجيش الإسرائيليّ في عدّة عمليّات خاصّة داخل الأراضي السّوريّة. من هؤلاء زيدان الطّويل ومحمّد القريان اللذان اعتُقِلا في آذار الماضي.

أفادَ المُعتقلون، بحسب ما اطّلعت عليه أورتاغوس، أنّ عملهم ضمنَ ما يُعرف بالوحدة 840 في فيلق القدس في الحرس الثّوريّ الإيرانيّ، التي يرأسها أعذر باقري ونائبه محمّد رضا أنصاريّ.

أدّت اعترافات الموقوفين السّوريّين إلى اغتيالِ قاسم صلاح الحُسينيّ في الثّالث من تمّوز الماضي في منطقة خلدة، وبعده محمّد شعيب في النّبطيّة في 11 تمّوز الماضي. إذ كانَ الحسيني يعمل مُباشرةً بالتنسيق مع محمّد رضا أنصاري.

عرضَ الإسرائيليّون أيضاً صوراً التقطتها الطّائرات المُسيّرة في عدّة مناطق بقاعيّة توثّق تهريب صواريخ قصيرة المدى وشحنات كورنيت عبر أكثر من معبرٍ حدوديّ من البقاع الشّماليّ إلى البقاع الغربيّ. وعلى الرّغم من أنّ تل أبيب أحبطت عدّة عمليّات مُشابهة، إلّا أنّ كثيراً منها وجدَ طريقه إلى مخازن “الحزب”، بحسب مصادر “أساس”.

قالت أورتاغوس للمسؤولين اللبنانيّين إنّ عملَ “الحزب” على إعادة بناء قدرته سيدفع إسرائيل إلى تكثيف ضرباتها على مواقعه في لبنان من دون حصرِ ذلكَ في مناطق مُحدّدة. لكنّها في الوقت عينه شدّدت على أنّ على الدّولة اللبنانيّة تطبيق التزاماتها في اتّفاق وقف الأعمال العدائيّة المُبرم في تشرين الثّاني من العام الماضي، والتزامها بالقرارات الدّوليّة 1559، 1680 و1701، وأنّ إحباط هذه العمليّات ينبغي أن يكونَ من مهمّة الدّولة اللبنانيّة المسؤولة عن حدودها بالدّرجة الأولى.

اجتماع “الميكانيزم”: تقدير الجيش

حرصت مورغان أورتاغوس في الزيّارتَيْن اللتيْن سبقتا الزّيارة الأخيرة على حصر مهمّتها بالمشاركة في اجتماعات “الميكانيزم” من دون أيّ لقاء سياسيّ. وهذا مؤشّر إلى التزام واشنطن دعم الجيش اللبنانيّ. الأهمّ أنّ واشنطن تضع ثقتها في المؤسّسة العسكريّة. ويدلّ أيضاً على ارتفاع وتيرة التنسيق بين أورتاغوس وقيادة المنطقة المركزيّة في الجيش الأميركيّ (CENTCOM) إلى حدّ لم يكن موجوداً سابقاً. ويُؤكّد مصدر دبلوماسيّ أميركيّ لـ”أساس” أنّ قائد CENTCOM براد كوبر تجمعه علاقة متينة جدّاً بالموفدة الأميركيّة، وهذا ما لعبَ دوراً في زيادة تنسيقها مع “العسكر” وميلها نحو دعم الجيش اللبنانيّ وابتعادها عن المواقف السّياسيّة العالية النّبرة.

كانت أورتاغوس مختلفةً تماماً في الجلسة الأخيرة. يذكر المصدر أنّ الجانب اللبنانيّ عرضَ بشكلٍ مُفصّلٍ ما يقوم به الجيش من عمل في منطقة جنوب الليطانيّ شمل مصادرة كميّة من الصّواريخ والذخائر، بهدوءٍ ومن دون ضجيج إعلاميّ، وتخطّت هذه الكمّيّة الرقم الذي صرّحَ به براد كوبر قبل أسبوعيْن، أي أكثر من 10 آلاف صاروخ و200 ألف من الذّخائر.

من جهته، استعرضَ الجيش طريقة “المسح” التي يقوم بها في القطاع، ولفت إلى أنّ كثيراً من المخازن التي فكّكها لم تكن من تلكَ التي تبلّغ عنها واشنطن عبر اللجنة، وأنّه أتمّ نقل عدد العناصر المُحدّد بالاتّفاق بـ10 آلاف عسكريّ في المنطقة، وأيضاً من دون ضجّة إعلاميّة.

كانَ التّقدّم الذي يقوم به الجيش، على الرّغم من افتقاره اللوجستيّ إلى الأدوات والمُتفجّرات المطلوبة لإتمام المُهمّة، محطّ إعجاب الفريق الأميركيّ الحاضر في الاجتماع. لكنّ ما يسري في جنوب الليطاني حيثُ يعمل الجيش بقدرات محدودة، قد لا يسري في شمال النّهر ما لم يُقدَّم الدّعم المطلوب من أموالٍ وعتاد وأدواتٍ. وهذا ما سمعته أورتاغوس من القيادة السّياسيّة والعسكريّة اللبنانيّة.

أورتاغوس “الهادئة”: “لدينا شهود على تهريب الصواريخ” .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...