أعاد قرار الحكومة اللبنانية الموافقة على منح اتفاقية استكشاف وإنتاج في البلوك رقم 8 لائتلاف توتال إنيرجي، وقطر للطاقة، وإيني الإيطالية، تظهير الخلاف حول ملف النفط والغاز، والرؤى المتناقضة حيال التلزيمات، وحصة الدولة، ومهل المسوحات والحفر.
بيد أن ما ظهر من تباينات حول القرار، ومفاجأة تسليم توتال لتقريرها الموعود بتأخير نحو عامين، وما سيلي ذلك من “مسح” للقرارات، و”حفر” في مبناها وفحواها، يمكن معه القول “فتش عن السياسة” في غالبية التصاريح والتحليلات، والمواقف التي شيطنت سابقاً ولا تزال أيّ اندفاعة في هذا الملف، ما لم تكن من خلالها.
ففي ضوء الجدل الدائر حول ملف النفط والغاز في لبنان، ولا سيما ما يتعلق بحصة الدولة في البلوك البحري رقم 8 ومآل الحفر في البلوك رقم 9، كان لأعضاء هيئة إدارة قطاع البترول، سلسلة توضيحات شاملة لـ”النهار”، إذ أكدت الهيئة أن حصة الدولة في أي مشروع بترولي تعتمد على عناصر أساسية. وبناءً عليها اعتمدت هيئة إدارة قطاع البترول تسعة سيناريوهات لتقييم العروض في البلوكات 4 و9 و8، راوحت فيها أحجام الاكتشافات المفترضة بين 2 و10 تريليونات قدم مكعب، وأسعار الغاز بين 4 و7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مع احتساب معدل خصم 8%.. وقد أظهرت النتائج أن “حصة الدولة في البلوك رقم 4 راوحت بين 65% و71%، في البلوك رقم 9 بين 55% و63%. أما في البلوك رقم 8 فجاءت النتائج مماثلة تقريباً للبلوك 9 وفق السيناريو الواقعي (اكتشاف بحجم 2 تريليون قدم مكعب). وتوضح الهيئة أنه رغم عدم تحقق أيّ اكتشاف تجاري بعد حفر البئرين في البلوكين 4 و9، فإن الشروط التجارية في البلوك 8 جرى تحسينها بما يتلاءم مع المخاطر الواقعية للسوق.
ماذا عن التقرير الخاص بالحفر في البلوك رقم 9؟ تؤكد الهيئة أنه أصبح في حوزة الدولة اللبنانية، ممثلة بهيئة إدارة قطاع البترول ووزارة الطاقة والمياه. أما تأخر صدوره فكان لأسباب تقنية بحتة. ولأسباب تتعلق بالسرية التجارية، لن ينشر التقرير علناً، لكن يمكن للخبراء والمختصين الاطلاع عليه وفق الأصول القانونية لدى الهيئة.
أما عن الشروط التقنية الجديدة التي طلبتها “توتال إنرجيز” خلال مفاوضات البلوك رقم 8، فأوضحت الهيئة أنه “تم تعديل بعض البنود التقنية والإجرائية. فبينما كانت اتفاقيات 2017 تتضمّن بنداً يُعرف بـ“Seismic or Drop” يمنح الشركة خيار إجراء المسح الزلزالي أو الانسحاب، أصرت الدولة اللبنانية على إلغاء هذا البند بالكامل واستبداله بالتزام إلزامي بتنفيذ المسح الزلزالي الثلاثي الأبعاد (3D Seismic Survey) على مساحة تقارب 1,200 كلم². فيما يمتد البرنامج الاستكشافي لثلاث سنوات، توقعت الهيئة إنجاز المسح خلال عام ونصف من توقيع العقد في الحد الأقصى.
تؤكد الهيئة أن “شروط التراخيص البترولية في لبنان لم تتراجع بل تم تحسينها بما يتلاءم مع المعايير الإقليمية. وتشمل التعديلات الأخيرة: رفع نسبة الـB-percent من 38% إلى 40%، خفض الـR-b من 5 إلى 4، مع تثبيت سقف بترول الكلفة (Cost Petroleum Ceiling) عند 80%”.
ومن المهم الإشارة إلى أن لبنان، في الدورات الثلاث الأولى للترخيص، لم يستقطب سوى كونسورتيوم واحد، وقد تمّ حتى الآن حفر بئرين بحريين بما مجموعه نحو 200 مليون دولار استثمرها الكونسورتيوم على نفقته الخاصة، لا على نفقة الدولة اللبنانية.
شركة TGS والمسح الزلزالي
ورداً على ما تردّد عن “استبعاد” شركة TGS، أوضحت الهيئة بتاريخ 12 أيلول 2025، أي بعد ثمانية أيام من استكمال مكونات عرض توتال إنرجيز النهائي نتيجة المفاوضات بين الفريقين، وجّهت شركة TGS كتاباً عبّرت فيه عن نيّتها المباشرة بتنفيذ المسح الزلزالي في أقرب وقت ممكن. وعلى الرغم من مساعي الشركة للبدء بتنفيذ المسح الزلزالي قبل ذلك أي في شهر آب 2025 أبلغت الشركة وزارة الطاقة والهيئة أن المشاكل التقنية التي واجهتها في نظام الـGPS (GPS Jamming) قد أخر بدءها أعمال المسح.
مع الإشارة إلى أن وزير الطاقة كان قد راسل وزارة النقل والأشغال مرتين ووزارة البيئة لتسهيل دخول باخرة المسح المياه الاقتصادية الخالصة ومنح الموافقات البيئية، ما يؤكد ألا نية مبيتة ضد الشركة.
في المقابل، كانت هناك مفاوضات موازية بفعل الأثر القانوني لقانون تعليق المهل مع شركة TotalEnergies للحصول على حق حصري بالاستكشاف في البلوك رقم 8، فيما رخصة TGS هي رخصة استطلاع غير حصرية (Non-Exclusive Reconnaissance License). وتالياً لم تُستبعد شركة TGS بأيّ شكل من الأشكال، بل إنّ الوزارة والهيئة تحرصان على استمرار التعاون معها، نظراً إلى العلاقة القائمة منذ عام 2005.
وبالنسبة إلى العمق النهائي لبئر قانا 3,905 أمتار، أظهرت النتائج وجود مياه مع آثار غاز، ما يشير إلى هجرة الغاز من المكمن بفعل الحركات التكتونية. ورغم ذلك، تعتبر الهيئة أن “هذه النتائج إيجابية من الناحية الجيولوجية لأنها تؤكد امتداد الطبقات المنتجة في شرق المتوسط نحو المياه اللبنانية، ما يفتح الباب أمام مواقع حفر مستقبلية واعدة.
إلى ذلك، تؤكد الهيئة أن “المرحلة الحالية هي مرحلة تأسيسية في رحلة لبنان نحو إنتاج النفط والغاز، وأن النتائج السلبية للحفر الأولي لا تُعدّ فشلاً بل هي جزء طبيعي من دورة الاستكشاف”. وفيما تبقى حصة الدولة في البلوك 8 مشابهة لحصتها في البلوك 9 وفق السيناريو الواقعي، توضح الهيئة أن “قرار مجلس الوزراء السابق، العائد إلى تلزيم الرقعتين 8 و10 تضمّن بنداً صريحاً ينصّ على إمكانية التفاوض لتحسين حصة لبنان التجارية في حال حدوث اكتشاف كبير”.
الغاز اللبناني في مرمى السجال السياسي: ماذا يخفي تلزيم البلوك 8؟ .




