ليس من عادة مدير المخابرات المصرية، أيّاً يكن، وبصرف النظر عن العهود الرئاسية في مصر، أن يزور لبنان بكثرة. فهو يزور بيروت عندما يكون حاملا في جعبته رسالة مهمة. لذلك من المهم أن نتوقف قليلا عند لقاء السفير المصري في لبنان علاء موسى رئيس الجمهورية جوزف عون في قصر بعبدا، ولاسيما أنه لدى خروجه من الاجتماع أدلى بتصريح نقله موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية. فقد أوضح السفير علاء موسى أن زيارة مدير المخابرات المصرية “تدخل في إطار التنسيق الأمني مع لبنان، ومصر تبذل جهودا لتهدئة الأوضاع”. وأضاف: “إن ما يحدث من تطور في الاعتداءات الإسرائيلية في مداها ووتيرتها يدعونا إلى التحوّط مما يجري”. لكن الأهم قوله إن “مصر تدعم مواقف رئيس الجمهورية في حصرية السلاح إلى درجة استعداد لبنان للدخول في مفاوضات!”
انطلاقا من كلام السفير المصري، يمكن فهم السبب الأساسي لزيارة مدير المخابرات المصرية لبيروت في الساعات المقبلة. فالتصعيد العسكري المتدرج صعودا من إسرائيل يزداد خطورة مع تكثيف استهدافات الجيش الإسرائيلي لبنى تحتية عسكرية تابعة لـ”الحزب”، فضلا عن اغتيال عناصر وقادة ميدانيين في منطقتي الجنوب والبقاع. كما أن المواقف التي يطلقها مسؤولون إسرائيليون عن جهود “الحزب” في إعادة بناء قدراته العسكرية، واستعداد إسرائيل لشن عملية عسكرية كبيرة لمنع ذلك، تثير قلقا عربيا كبيرا لا يقتصر على نيات إسرائيل، بل يتعداها إلى نيات “الحزب” نفسه الذي يغامر كثيرا من خلال تأكيداته أنه رمّم ويرمم قدراته العسكرية، متجاوزا قرار الدولة اللبنانية حصر السلاح بيدها وحدها، وخصوصا أن خطاب الحزب المذكور يصبّ في سياق يدعم مواقف إسرائيل، وكأن “الحزب” الذي يتحرك بتوجيهات طهران اتخذ قرارا باستدراج تل أبيب إلى حرب ثانية في الجنوب اللبناني.
في هذا السياق، يبدو أن مهمة مدير المخابرات المصري الذي يلتقي دوريا نظراءه الإسرائيليين، إضافة إلى مسؤوليهم الكبار مثل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يمتلك معلومات ثمينة يرجح أنها خطيرة بالنسبة إلى ما ينتظر لبنان في المدى المنظور، وذلك في حال مواصلة “الحزب” تهميش الدولة كما يحصل اليوم، وضرب صدقيتها وهيبتها في ما يتعلق بقضية نزع السلاح. وما هو مهم أيضا، أن مصر أبقت منذ سنوات طويلة على قنوات تواصل مباشرة مع “الحزب”، وبالتالي فإن مدير المخابرات قادر خلال مهمته إلى بيروت أن يوصل رسائل وتقديرات للموقف على حد سواء، إلى كل من الرئيس جوزف عون، وقيادة “الحزب” مباشرة، في مرحلة دقيقة جدا يوشك فيها لبنان أن ينزلق إلى جولة عنف خطيرة. والأساس هنا أن تمسك “الحزب” بسلاحه، مهما كلف الأمر، سيتسبب بتجدد المواجهة مع إسرائيل. كما أن سلاح الحزب المذكور، بغض النظر عن إسرائيل، لا يتمتع بقبول أي طرف دولي أو إقليمي. أضف إلى ذلك أنه سيتحول إلى سبب لتجدد النزاع في لبنان، مع رفض المكونات اللبنانية من خارج بيئة الحزب التعايش مع أي سلاح من خارج الدولة.
لكن ما يلفت اليوم هو أن السفير المصري تحدث عن مفاوضات بين لبنان وإسرائيل سبق أن أثار موضوعها الرئيس جوزف عون قبل أسبوعين في لقاء مع صحافيين. فهل تكون المفاوضات بمثابة “الجزرة” التي سيحاول لبنان مدّها للإسرائيليين، وربما للأميركيين أيضا، لوقف التدهور العسكري وكسب مزيد من الوقت؟
مهمة مصرية عاجلة لوقف التدهور: المفاوضات مجددا! .



