“انخفاض لحظي”… المعدن الأصفر إلى 5000 دولار؟

مع التراجع الطفيف في سعر المعدن الأصفر، يبدو أن الإشارة الرئيسيّة تكمُن ليس في الانخفاض اللحظي، بل في السياق الأشمل لما يُحكى عن ارتفاع كبير مرتقب.

يرى كثير من المحلّلين أن الذهب مهيّأ للانطلاق نحو مستويات قد تتجاوز الـ 5000 دولار للأونصة، في ظلّ أجواء تضخم مستمرّ، وتراجع محتمل في قيمة العملات، وتصاعد الطلب كأداة تحوّط لدى الأفراد والدول على حدّ سواء.

وفي هذا السياق، فإن أي هبوطٍ بسيط يُعدّ أمرًا عاديًّا ضمن دورة تصحيح طبيعيّة للسوق، لكن الثابت أن الأسُس الراسخة التي تجعل الذهب ملاذًا آمنًا ما زالت متوفرة من سياسة نقديّة توسعيّة، وضغوط تضخمية، إلى عدم يقين جيوسياسي واقتصادي يدفع المستثمرين نحو الأصول الأقل ارتباطًا مباشرة بالدورات الاقتصادية.

مسار تصاعدي

الباحث الاقتصادي د. محمود جباعي، يُوضح لـ “نداء الوطن”، أنّ “الذهب في مسار تصاعدي مدفوع بالتطورات الجيوسياسية والاقتصادية، بالتوازي مع صعود أسعار المعادن الثمينة الأخرى مثل الفضة”.

ويلفت جباعي إلى أنّ “هذا الارتفاع يعود إلى مجموعة من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، وإلى حالة عدم الاستقرار التي تدفع المستثمرين للبحث عن ملاذات آمنة تحفظ أموالهم وتحقق لهم عوائد تفوق معدلات التضخم المتزايدة”.

ويُذكّر بأنّ “الذهب تاريخيًا هو مخزن للقيمة، ولذلك يُعتبر مرجعًا أساسيًا عند اضطراب الأسواق، فيما تلعب الفضة دورًا مكمّلًا له باعتبارها من المعادن التي يمكن أن تحافظ على قيمتها أكثر من العملات النقدية كالدولار”.

أسرع من المتوقع

عن “الارتفاع الأخير في أسعار الذهب”، يشير جباعي إلى أنه “جاء أسرع من المتوقع. بينما كانت التوقعات تشير إلى بلوغ الأونصة حدود 4000 دولار بحلول عام 2026، حقق الذهب هذا الرقم قبل الموعد بنحو ثلاثة أشهر، مدفوعًا بعوامل عدّة، منها التطورات السياسية العالمية، والأزمة المالية التي تشهدها الولايات المتحدة نتيجة تضخم الدين العام الأميركي الذي تجاوز الناتج المحلي ليصل إلى نحو 120 – 125 % منه”.

يُضيف: “في المقابل، تمتلك الولايات المتحدة نحو 8000 طن من الذهب، تقدر قيمتها اليوم بما يفوق التريليون دولار، ما قد يمنح الخزانة الأميركية فرصة لإعادة تقييم أصولها من الذهب لتحقيق نوع من التوازن بين النفقات والإيرادات”.

الصين

أما الصين، فيلفت إلى أنها “تواصل شراء الذهب بكميات كبيرة كجزء من استراتيجيتها طويلة الأمد لحماية عملتها واقتصادها من التقلبات، في حين تسير روسيا وعدد من الدول الأخرى على النهج ذاته. كذلك، أصبحت البنوك المركزية حول العالم تميل إلى تعزيز احتياطياتها من الذهب على حساب الدولار والعملات الورقية الأخرى، ما يزيد الطلب ويدفع الأسعار إلى الارتفاع المستمر”.

“تراجع طبيعي”

وعليه، يتوقع أن “يواصل الذهب مساره التصاعدي، على الرغم ممّا شهده من بعض التراجع الموقت”، ويؤكد جباعي أن “هذا التراجع يأتي تحت مسمى التصحيح الطبيعي للأسعار”.

وبناء عليه، يقول: “يبقى سعر الذهب ضمن اتجاه صاعد يمكن أن يدفعه إلى مستويات 5000 دولار للأونصة وربما أكثر على المدى المتوسط”.

ويوضح أن “هذا الاتجاه يخدم مصالح الدول التي تمتلك احتياطيات كبيرة من الذهب، إذ يعزز قدرتها الاقتصادية في ظل التحولات في النظام المالي العالمي، حيث باتت الأصول الآمنة — كالذهب، والفضة، والعقارات، والاستثمارات الإنتاجية — أكثر موثوقية من النقد الورقي الذي يفقد قيمته بفعل التضخم”.

ويردف قائلًا: “مع استمرار التضخم العالمي بمعدلات لا تقل عن 5 % سنويًا في المتوسط، تتزايد الحاجة إلى إعادة التفكير في أساليب الادخار التقليدية. فالنقد لم يعد وسيلة آمنة لحفظ القيمة، ما يدفع المستثمرين والأفراد نحو تنويع محافظهم بين الذهب والأصول العقارية والرقمية”.

دخول الأصول الرقمية

واللافت أيضًا – وفق جباعي – أن “الذهب دخل عالم الأصول الرقمية، حيث بات يُتداول على البورصات وعبر منصات العملات المشفرة ضمن أنظمة رقمية مدعومة بالذهب، ما يرسّخ مكانته في الاقتصاد العالمي الجديد. وحتى بعض الدول، ومن بينها الولايات المتحدة، بدأت تمتلك احتياطيات من البتكوين إلى جانب الذهب، في إشارة إلى التحول في موازين النظام المالي الدولي”.

إذًا، يؤكد أن “الذهب ملاذ آمن في مواجهة تراجع العملات الورقية”، موضحًا أنّ “العديد من دول العالم اليوم يتجه إلى تعزيز احتياطياته من الذهب والمعادن الثمينة، في خطوة من شأنها أن تُسرّع في ارتفاع أسعار البدائل عن العملات النقدية التقليدية، وعلى رأسها الذهب والفضة”.

ماذا عن الدولار؟

أمّا بالنسبة إلى الدولار الأميركي، فلا يتوقع جباعي أنْ “ينهار انهيارًا كاملاً، بل أن يواجه مصيرًا مشابهًا لبقية العملات الورقية من حيث تراجع القيمة الشرائية مع مرور الوقت. فكما أن التضخم يؤثر في العملات المحلية حول العالم، فإن الدولار أيضًا يفقد تدريجيًا من قوته الشرائية، شأنه شأن اليورو أو الجنيه الإسترليني، وإن كان سيبقى مهيمنًا لفترة طويلة في النظام المالي العالمي، بحكم اعتماده الواسع في التجارة الدولية والاحتياطيات النقدية”.

وفي هذا الإطار، يُشير إلى أنّ “النقاش الاقتصادي اليوم لم يعد يتركّز على الدولار في حدّ ذاته، بل على التحوّل في طبيعة النظام المالي العالمي نحو اقتصاد رقمي وأصول حقيقية ملموسة. المستقبل يتجه نحو ما يمكن تسميته بـ”الاقتصاد القائم على الأصول”، أي على الذهب، والعقارات، والاستثمارات الإنتاجية، والعملات الرقمية المدعومة بأصول ثابتة”.

من هذا المنطلق، يبقى الذهب هو الملاذ الآمن الأول، والوسيلة الأنجح لحماية المدّخرات من التضخم، إذ يُظهر التاريخ — منذ خمسين أو ستين عامًا وحتى اليوم — أن مساره كان تصاعديًا على المدى الطويل، ما يجعله أحد أكثر أدوات الادخار أمانًا واستقرارًا.

وبناءً على هذه المعطيات، يُنصح المستثمرون والأفراد بتوجيه جزء من مدّخراتهم نحو الأصول الثابتة، سواء كانت ذهبًا أو عقارات أو مشاريع إنتاجية، لأنها قادرة على تحقيق عوائد تتجاوز معدلات التضخم التي تتراوح عالميًا بين 5 و6 % سنويًا. فالمبالغ النقدية غير المستثمرة تفقد من قيمتها بنفس النسبة تقريبًا كل عام، بينما تتيح الأصول الحقيقية فرصًا لتحقيق أرباح تحافظ على القوة الشرائية وتُنمّي الثروة بمرور الزمن.

“انخفاض لحظي”… المعدن الأصفر إلى 5000 دولار؟ .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...