إيران أصبحت الدولة الإسلامية الأكثر خطورة على رجال الدين، حيث تشهد بين حين وآخر أحداث عنفٍ تؤدي الى الإصابة أو القتل. ففي الأسبوع الماضي، تعرض الإمام سيدي يحيى في طهران للطعن، وقام المهاجم بقطع جزء من حنجرته، لكنه نجا بعد نقله إلى المستشفى. وقبل أسبوعين من هذا الحادث، قُتل إمام مسجد باغ فيض في طهران طعناً على يد صيدلي كان يعاني من البطالة. بعد القبض عليه، قال المهاجم إن المشاكل المالية والبطالة تسببت له بضغوط نفسية دفعته للانتقام وارتكاب جريمة قتل رجل الدين. وأكد أنه لم يكن يعرفه وإنما كان يبحث عن الانتقام.
فشل الجمهورية بتوفير العيش الكريم
فشل جمهورية إيران الإسلامية في توفير سبل العيش الكريم والرفاهية والازدهار الاقتصادي، دفع رجال الدين لدفع ثمن باهظ كمسبب رئيسي لهذه الإخفاقات.
تم أيضاً اغتيال إمامي جامع مدينة كازرون في محافظة فارس الإيرانية خلال هجوم من قبل محتجين غاضبين خلال السنوات الأخيرة.
لا يتم الإبلاغ عن العديد من الهجمات على رجال الدين في مختلف أنحاء إيران. ونتيجة لانعدام الأمان الذي يشعر به رجال الدين، تراجعت مشاركتهم في مختلف فعاليات المجتمع.
منذ فترة طويلة وأنا أبحث في مترو وحافلات وسيارات الأجرة في طهران، وحتى على أرصفة المدينة التي يزيد عدد سكانها عن 14 مليون نسمة، لأرى مدى حضور رجال الدين في هذا المجتمع. هناك أيام قد لا ترى فيها حتى رجل دين واحد في هذه الأماكن. وبالرغم من أن حركة المرور الكثيفة في شوارع طهران وحظر دخول السيارات الخاصة إلى المناطق المركزية من العاصمة، جعلت استخدام المترو والحافلات وسيلة نقل مجدية ومفضلة، لكن المجتمع الإيراني اليوم لم يعد آمناً لرجال الدين.
لا أمان لرجال الدين بشوارع قم وطهران
وقال أحد كبار رجال الدين في قم لـ”المدن”: “شعرت بمزيد من الراحة في شوارع لندن مقارنةً بطهران وقم. ففي لندن، لا يحدق أحد حتى في وجه رجل الدين المسلم الغريب ولا يسبب له أي إزعاج. لكنني لا أشعر بهذا الأمان حتى في قم وطهران”.
الجماهير الشعبية تعتبر حكومة رجال الدين سبباً في التخلف والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وعاجزة عن تحقيق التقدم والتنمية.
في عام 1979، عندما انتصرت الثورة الإسلامية الإيرانية، استولى طبقة رجال الدين على السلطة من دون أي منافس سياسي. وقبل المثقفون والأحزاب المناضلة بقيادة هذه الطبقة، وكانوا ينتظرون بلهفة وإخلاص تحقيق تلك المدينة الفاضلة التي بشر بها رجال الدين خلال عقدين من الكفاح.
بالإضافة إلى الجماهير الشعبية، حتى المثقفين الماركسيين كانوا يعتبرون رجال الدين رموزاً للنضال ضد الإمبريالية، وفي الوقت نفسه، مبشري الرفاه والعدالة الاجتماعية والحرية والأخلاق. لكن تجربة عدة عقود أظهرت أنه باستثناء الصراع غير المحدود مع الولايات المتحدة الأميركية الذي بدأ باقتحام مبنى السفارة الأميركية في العام 1979 واستمر هذا الصراع طيلة 47 عاماً، وأدت إلى الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يوماً، والتي كبدت إيران خسائر فادحة، لم يحققوا سوى نجاح محدود على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
لا يمكن تجاهل إنجازات الجمهورية الإسلامية في المجال الطبي والدوائي وكذلك العسكري، خصوصاً في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة، لكن التضخم والركود والانخفاض الحاد في قيمة العملة الوطنية من 7 تومانات في عام 1979 إلى 109 آلاف تومان في عام 2025، وأزمات الكهرباء والماء وحتى الغاز، أدت إلى تدهور كبير في مستوى الرفاهية العامة.
رجال الدين هم السبب!
المؤسسة الدينية في إيران تمتلك تاريخاً عريقاً وتقليداً متجذراً يمتدان لأكثر من ألف عام، ومع قيام الجمهورية الإسلامية، تولّى رجال الدين المناصب الرئيسية الهامة. والآن، مع فشل مشاريع التنمية، يرى عامة الناس أن رجال الدين هم السبب في تعطيل العلاقات البنّاءة والطبيعية مع العالم، وفي الإنفاق على مشاريع تدخلية في دول أخرى على حساب رفاهية وسعادة الشعب، مما دفعهم للتعبير عن احتجاجهم بطرق مختلفة.
خلال احتجاجات مهسا أميني في عام 2022، التي انتشرت في معظم المدن الإيرانية، بالإضافة إلى أعمال العنف الجسدي ضد رجال الدين، كان إسقاط العمامة عن رؤوسهم أحد أشكال الاحتجاج التي استخدمتها الشابات بشكل خاص.
هذه التصرفات الاحتجاجية جعلت العديد من رجال الدين الذين لا يستطيعون التنقل بسيارات خاصة يفضلون التنقل بالملابس المدنية حتى لا يتم التعرف عليهم. وهكذا اصبحت شوارع العاصمة شبه فارغة من حضور رجال الدين.
إيران: رجال الدين اختفوا.. خوفاً من الانتقام! .



