اللبنانيون المغتربون أو من أصول لبنانية يفوق عددهم اللبنانيين المقيمين في لبنان. ولا يمكن تقديم تقديرات دقيقة، نظراً إلى أنّ الكثيرين منهم لا يحملون الجنسية اللبنانية، وهم غير مسجّلين في سجلّات النفوس. وتتراوح التقديرات ما بين 4 ملايين و14 مليوناً.
لذلك، هم يشكّلون كتلة ناخبة ضخمة ومؤثّرة، لو سُمح لهم بالاقتراع في شكل جدّي وفاعل. وحتّى العام 2017، لم يكن يحقّ للمقيمين خارج لبنان الاقتراع في البلدان التي يعيشون فيها، إلى أنّ أقرّ مجلس النواب اللبناني للمرّة الأولى قانوناً انتخابياً جديداً يسمح للمغتربين في الخارج بالمشاركة في الاقتراع في بلاد الاغتراب.
التسجيل ما زال خجولاً
فكانت انتخابات العام 2018 الأولى التي يشارك فيها لبنانيّو الخارج. وبلغ عدد المغتربين الذين تسجّلوا للاقتراع، وفق أرقام وزارة الداخلية والبلديات، 82,900 شخص، اقترع منهم 46,799، أي نحو 56.4% من إجمالي المغتربين المسجّلين للتصويت، ونحو 2.5% من إجمالي اللبنانيين المشاركين في الانتخابات حينذاك.
أمّا التجربة الثانية، فكانت في العام 2022، بعد أربع سنوات على اندلاع ثورة 17 تشرين، حيث كان المجتمع المدني يأمل في أن يُحدِث خروقات كبيرة. ولكن التغيير الذي حصل لم يكن على قدر الآمال لأسباب عديدة، مع أنّه تمّ التعويل على أصوات المغتربين، وخصوصاً الفئات الشابّة التي تركت البلاد في السنوات الأخيرة، بعد خيبة الأمل بنجاح الثورة في قلب الحكم.
وإذا أردنا أن نعرف اتّجاهات الرأي لدى المغتربين بالنسبة إلى انتخابات أيّار 2026، فمن الصعوبة العثور على استطلاعات، لأنّ الفئات الاغترابية واسعة وموزعة جغرافياً على القارّات، ما يجعل معرفة آرائها أمراً معقّداً للغاية. ومعظم الدراسات التي عثرنا عليها كانت استطلاعات نوعيّة، لا كمّية، بمعنى الحديث مع عيّنة من المغتربين لمعرفة نظرتهم إلى الانتخابات وتوقّعاتهم.
ويؤكّد الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لموقع beirut24 أنّ من الصعب الآن معرفة اتّجاهات الرأي لدى المغتربين، في انتظار انتهاء عمليّات تسجيل الراغبين في الاقتراع في الخارج، ومعرفة أيّ قانون سيُعتمد، وهل هو على أساس ستة مقاعد للاغتراب، أو على أساس الاقتراع كلّ حسب دائرة قيده. وقال شمس الدين إن التسجيل حتى الآن ما زال خجولاً. (يشار إلى أنّ وزارة الداخلية فتحت باب التسجيل للمغتربين من 2 تشرين الأوّل إلى 20 تشرين الثاني.)
وإذا حاولنا أن نجري مقارنة مع انتخابات العام 2022، نذكّر بأنّه تم حينها تسجيل 225277 ناخباً، اقترع منهم 141575 ناخباً. ونال كلّ من المجتمع المدني: 35770 صوتاً، القوات: 27139، حزب الله: 10109، التيار الوطني الحرّ: 9220، حركة أمل: 7193، الحزب التقدّمي الاشتراكي: 3783، جمعيّة المشاريع: 3506، حزب الكتائب: 3286، حركة الاستقلال: 1735، المردة 1243.
ويقول شمس الدين إن التقديرات غير واضحة منذ الآن. “فربما لا يتسجّل سوى 30000 اذا كان القانون على أساس 6 مقاعد، وقد يتسجّل نصف مليون اذا كان الاقتراع لكل المقاعد”.
مقارنات تلقي الضوء
واستناداً إلى دراسات أجراها بعض المراكز والجمعيات الاغترابية، لم يكن للمغتربين تأثير حاسم على النتائج في أغلب الدوائر في انتخابات العام 2018، نظراً إلى أنّ نسبة صغيرة من إجمالي الناخبين صوّتت. وأجريت مقارنات لمعرفة لماذا تغيّرت نسبة التصويت في العام 2022، ولماذا حصل التغيير في بعض الدول وليس في غيرها. ويؤثّر التوزيع الجغرافي للمغتربين والسياسات المحلية في دول الإقامة في نسب المشاركة. فمثلاً المغتربون من فرنسا أو الولايات المتحدة قد يختلفون في السلوك عن المغتربين في الإمارات أو السعودية.
وإذا حاولنا المقارنة بين انتخابات العامين 2018 و2022، لوجدنا أنّ حوالي 94% من أصوات الخارج في 2018 ذهبت إلى الأحزاب التقليدية، بينما نحو 6% فقط اختاروا قوائم المعارضة أو التغيير. أمّا في الانتخابات الأخيرة، فاختلفت الأمور. وكانت النسبة الأعلى من تصويت الاغتراب لقوى التغيير، تليها القوات اللبنانية. وفي بعض الدوائر التي كانت المنافسة فيها قريبة، مثل دائرة بيروت الأولى، كان يمكن أن يكون للمغتربين دور أكثر فاعلية إن شاركوا بعدد أكبر، أو إذا تمّ فتح مراكز تصويت إضافية.
واستناداً إلى ورقة بحثية نشرتها “مبادرة الإصلاح العربي”، فقد شكّل ناخبو الخارج في العام 2022 6% من الناخبين، وهي نسبة تعادل ثلاثة أضعاف مثيلتها في العام 2018. وفي حين لم تؤثر أصوات المغتربين على النتيجة الإجمالية في العام 2018،، فقد ساهمت نسبة المشاركة العالية في العام 2022 في انتخاب سبعة مرشحين. وتورد الورقة البحثية أنّ السلوك الانتخابي للشتات يختلف كثيراً عن سلوك الناخبين داخل البلاد. فقد حظي المرشحون والأحزاب المعارضة للسلطة بدعمٍ من أبناء الشتات أكبر بكثير من دعم الناخبين داخل البلاد .
موازين القوى تغيّرت
ويتبيّن من الدراسات التي أُجريت على دورتي الانتخابات السابقتين، أنّ المغتربين يتوزّعون فئات، كما سائر اللبنانيين. ولكن قد يكون غير المقيم أكثر تحرّراً من تأثير الأحزاب ومن الخدمات التي تقدّمها القوى المحلّية. ولكن هذا لا ينطبق على كلّ القوى السياسية. فهناك أحزاب حافظت على نسبة لافتة من مؤيّديها في الخارج، كحزب القوّات اللبنانية، خصوصاً في البلدان التي لديها قدرة على العمل فيها مع الجاليات. أمّا “حزب الله” مثلاً فلم يتغيّر اتّجاه مؤيّديه كثيراً في الخارج. وهذا أيضاً يختلف باختلاف البلدان التي يعيش فيها هؤلاء. أمّا الفئات الشابّة التي هاجرت في السنوات الأخيرة، فهي تميل في الغالب إلى التيّارات التغييرية غير الطائفية. وهؤلاء متحمّسون، حسب استطلاع بعض الآراء المتفرّقة، للاقتراع هذه المرّة، إذا أتى القانون الانتخابي مناسباً، ولم يحصر أصوات الاغتراب بستة مقاعد.
ستجري الانتخابات العام المقبل، إذا لم تؤجّل، في أجواء من التوازنات السياسية الجديدة، بعد التغييرات الكبيرة في المنطقة، وداخل لبنان حيث تم إضعاف “حزب الله”، وهناك حكومة حاليّاً تسعى إلى التغيير. ولكن، كيف سيكون في إمكان المغتربين إحداث التغيير إذا لم تلغَ المادة التي تنص على حصر أصواتهم بستة مقاعد فقط؟
خاص – لمن يقترع المغتربون في انتخابات 2026؟ .



