– البابا جدد أمام سلام تعلّقه بمعنى لبنان وتضامنه مع الشعب الفلسطيني
… هي مسألةُ وقتٍ فقط. ستقع قريباً، وربما لن تقع. إنها الحربُ الموسّعةُ التي باتت «طبولُها» تملأ الفضاءَ اللبناني من دون أن يملك أحدٌ الجوابَ اليقينَ حول إذا كانت ستنفجر فعلاً أم أن التصعيدَ التصاعُدي الذي يرتسم منذ أيام هو في إطارِ ضغوطٍ تتدحْرجُ لربْط «بلاد الأرز» بمسارِ غزة وجعْل ملف سحْب سلاح «حزب الله» يُبَتّ «على السرعة» نفسها التي حدّدها الرئيسُ دونالد ترامب لـ «سلامٍ» انطلق بـ «القطار السريع» من القطاع الممزّق ويريده أن يعمّ المنطقة.
فمَن يرصد مواقف الحلقة الضيّقة القريبة من ترامب حيال لبنان وسلاح «حزب الله»، يَعتقد أن «المكتوب يُقرأ من عنوانه» لجهة أن أمام بيروت نافذة ضيّقة جداً لتفكيك ترسانة «حزب الله» قبل أن تنفّذ إسرائيل المَهمة بيدها، وأن أيَّ مفاوضاتٍ على طريقة «شراءِ الوقتِ» أو التَحايُل الديبلوماسي لن يكون لها مكان في حساباتِ واشنطن ولا تل أبيب.
ومَن يقرأ ما نُقل عن مصادر أوروبية من «أن ضربة إسرائيلية موسعة ضد لبنان قد تكون مسألة وقت فقط» تَعَمَّقَتْ خشيتُه من «الأعظم الآتي» الذي عبّر عنه أيضاً كلام مصدر أمني إسرائيلي (لسكاي نيوز عربية) عن «أننا نرصد محاولات من حزب الله لترميم كل قدراته بما فيها الإستراتيجية ولن نسمح بذلك، نقوم بإرسال مواقع سلاح ونشاط حزب الله للجنة التنسيق (الميكانيزم) ونتحرك إذا لم تتصرف (…) ونتدرب على سيناريو الحرب ونعدّ لحزب الله مفاجآت جديدة إذا اندلعت الحرب. فإما أن تنزع الدولة اللبنانية سلاحه وإما ستقوم إسرائيل بذلك».
ومَن يعاين الواقع الميداني الذي يشهد ديناميةً تسخينيةً إسرائيلية محمَّلة بالرسائل المتعددة الاتجاه، يَستشعر بأن تل أبيب تُعِدُّ لشيء ما أبعد من «الحرب النفسية» وأقرب إلى رفْع الجهوزيةِ وإتمام الأرضية لتوسيع الضرباتِ التي لم تتوقّف منذ اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) ولكن «مفعولها» أو «حمولتها التفجيرية» الحالية ليست كافية لفرْض الأهداف التي تريدها تل أبيب وواشنطن «على توقيت» تسوية غزة.
ومَن يَقِسْ «حبْس الأنفاس» لدى المسؤولين اللبنانيين وحجم الكلام عن مرحلة صعبةٍ أمام البلاد وعن ضغوطٍ قد تزداد لجرّها إلى مسارٍ يُفْضي إلى تفاهمات حدودية وأمنية، كما التقارير عن عمليات محاكاة لدى جمعيات معنية بالإسعافات والإنقاذ لسيناريوات «حربية»، يستخلص أنّ في بيروت أكثر من ارتيابٍ مما قد يكون.
ومَن يَسمع مواقف «حزب الله»، وما قاله خصوصاً نائب رئيس المجلس السياسي محمود قماطي عن أنّ «الحزب لن يسلّم سلاحه (…) وكل أشكال الضغط الأميركية والأوروبية لن تغيّر من موقف الحزب الثابت»، لن يجد صعوبة في استنتاج أن الحزب نفسه يتهيّب المرحلةَ وموجةَ ضغوطٍ يُراد منها ليس فقط تطبيق «نموذج حماس» عليه (بمعنى اقتياد الحركة لاتفاقٍ ينص على تسليم سلاحها ويشرف على تنفيذه ترامب شخصياً) بل أن يكمل «الطوق» حول إيران «المنزوعة الأذرع» وتالياً إنهاءَ «مشروع تخصيب نفوذها» الذي قام على مدى أعوام طويلة على محاولة «مقايضة النووي بالدور» الإقليمي، وإلا صار «رأسها» على المحك.
ومَن يطالع تقارير عن «جدول» المفاوضات التي يُراد أن تحصل بين لبنان وإسرائيل وبنودها، من الحدود البرية، إلى ترتيبات أمنية وصولاً إلى إنشاء نظام إنذار مبكر داخل لبنان، وربما فرض منطقة حدودية لبنانية خالية من السكان، يزداد قَلَقاً مِما يَعنيه تَبَلْوُر «الهدفَ السياسي» الواضح وضوح شمس لأي حرب موسّعة جديدة، وهذه المرة بخلاف ما كان عليه الأمر إبان جولة الـ 65 يوماً الخريف الماضي، خصوصاً بعدما شقّتْ تسويةُ غزة الطريق نحو «فجرٍ جديد للشرق» كما أسماه ترامب وتشكّل «بلاد الأرز»، الخالية من حزب الله المسلّح، قطعة رئيسية منه، بمعنى أن جعْل نفسها حجر عثرة أمام هذا التحول الجيو- سياسي الذي يعاود تشكيل المنطقة سيجعلها في «فم التنين».
ومَن يتابع «بند الأهداف» السياسي و«الشخصي» لبنيامين نتنياهو من أي حرب شاملة على لبنان و«حزب الله»، وليس أقلّها تشكيل «درع نارية» تقيه خطر المحاكمة الدائم كما تحقيق إنجازٍ بالقوة على جبهة لبنان يمكنه استثماره في انتخابات الربيع، تزداد مَخاوفُه مما يحوكه رئيس الوزراء الإسرائيلي وقد يسهل أن يقاطعه مع «الرؤية الماكرو» لترامب للمنطقة و«عصرها الذهبي».
المراهنة على “ثغرة”
في المقابل، فإنّ مَن يدقق في تحليلاتِ قريبين من «محور الممانعة» ومراقبين محايدين، وفحواها أن إسرائيل ليست بحاجة للارتقاء بضرباتها عن النسَق المعتمَد منذ سريانِ اتفاق وقف النار، وأن «وهجَ» ما حصل في غزة واضطرارِ «حماس» لتجرُّع خطةٍ تنص على «اجتثاثها» عسكرياً وسياسياً كفيلٌ بجعْل الحزب يتّعظ أو تزويد لبنان الرسمي بـ «حجة» لإحراجه، يَشعر بأن في بيروت مَن لايزال يراهن على «ثغرةِ» ما في الجدار المقفَل تماماً حتى الآن وقد تَفتحها آلية تفاوُض ما يَجري الدفعُ لبنانياً لأن تكون عبر لجنة الإشراف على وقف النار (الميكانيزم) وربما مع تَطعيمها بمدنيين وتقنيين، علماً أن دون ذلك تعقيداتِ داخلية كما الحاجة إلى موافقة واشنطن وتل أبيب وتسليم الحزب بربْط ترسانته بـ «زناد» يضع الإصبع عليه ترامب نفسه.
وهذه الوقائع تشكل المسرح السياسي والميداني للمواقف والتطورات البارزة الآتية التي سُجلت اليوم السبت:
– تشديد السفير الأميركي المعيَّن إلى بيروت ميشال عيسى على أنّ«سياسة الولايات المتحدة تبقى ثابتة، والحكومة اللبنانية هي السلطة الشرعية الوحيدة التي تمثّل جميع المواطنين، والجيش والمؤسسات الرسمية يجب أن تُحترم وتُدعَم وتعمل من دون أي تدخّل».
وقال عيسى، الذي يُرتقب وصوله إلى بيروت خلال أيام، أمام الجالية اللبنانية في واشنطن، إنّ صبر المجتمع الدولي «ليس بلا حدود»، وإنّ «الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي واقعٍ يجعل لبنان يسمح لجماعاتٍ بتهديد السلام أو تعادي الشعب الأميركي»، مشيراً إلى أنّ «واشنطن وشركاءها مستعدّون لمساعدة لبنان، لكنّ هذه المساعدة يجب أن تترافق مع وحدة وطنية ومسؤولية».
وعَكَسَ كلام عيسى، الوثيق الصلة بترامب، أنه على الموجة نفسها للمواقف التي أطلقها الموفد توماس براك قبل أيام عن وجوب أن تكون المرحلة الثانية من الإطار الأمني الشمالي لإسرائيل هي نزع سلاح حزب الله وبدء مناقشات أمنية وحدودية مع إسرائيل، وتحذيره من أن تردُّد لبنان سيعرّضه لاحتمالات حرب «بعواقب وخيمة» كما أن الذراع العسكرية لحزب الله ستكون أمام إمكان«مواجهة كبرى مع إسرائيل».
علماً أن السيناتور ليندي غراهام اللصيق بالرئيس الأميركي أيضاً كان حذّر قبل فترة من أن عدم تسليم السلاح سيعني تفعيل«الخطة ب»النزع بالقوة العسكرية.
– مضي إسرائيل في استهدافات مكثفة لكوادر من «حزب الله»، حيث أغارت اليوم السبت، في بلدة حاروف الجنوبية على محيط منزل عباس كركي (كانت اغتالته الجمعة) قبل البدء بمراسم تشييعه ما أدى إلى سقوط زين العابدين حسين فتوني.
وبعدما أعلن الجيش الإسرائيلي أن كركي «مسؤول الشؤون اللوجيستية في قيادة جبهة الجنوب في (حزب الله)»، زعم أن فتوني «قائد في منظومة الصواريخ المضادة للدروع في وحدة قوة الرضوان التابعة للحزب والذي كان يهم بمحاولات إعادة إعمار بنى تحتية إرهابية في جنوب لبنان».
– اعتبار رئيس البرلمان نبيه بري، شريك حزب الله في الثنائية الشيعية، رداً على الضغوط التي تتزايد على لبنان ويُخشى أن تتخذ ألواناً وأشكالاً مختلفة في المرحلة المقبلة «نحن متمسّكون بالآلية المعتمدة في لجنة الميكانيزم التي تضمّ كل الأطراف، وملتزمون بالكامل بالقرار 1701، ولا شيء لدينا سواهما»، مشدداً على أهمية «الاستقرار الداخلي والتقاء اللبنانيِّين على ما يحقق مصلحة لبنان. أعطني وحدة بين اللبنانيِّين، أعطيك النصر الأكيد على إسرائيل».
سلام في روما
وسط هذه الأجواء برزت محطة رئيس الحكومة نواف سلام في روما ولقائه البابا ليو الرابع عشر في الفاتيكان، وذلك قبل نحو شهر من الزيارة التي سيقوم بها الأخير لبيروت بين 30 نوفمبر و2 ديسمبر.
وكتب سلام «سعدت هذا الصباح (السبت) بلقاء قداسة البابا ليو الرابع عشر، وأكدت له أن اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم يتطلعون إلى زيارته بفرح. وجدّد قداسته أمامي تعلّقه بمعنى لبنان وتضامنه مع الشعب الفلسطيني في محنته. وبدوري شددت على أن وحدة لبنان وسيادته وحريته حق لأبنائه جميعاً، وأن السلام في المنطقة لن يقوم إلا على العدل، ولا سيّما على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة».
وعلى هامش الزيارة، أفادت وسائل إعلام لبنانية بأن السيّدة سحر بعاصيري زوجة سلام تعرّضت عقب اللقاء، لحادث سقوط أدّى إلى كسر في كتفها ما استدعى الحادث نقلها إلى أحد مستشفيات روما للمعالجة.
الحرب الإسرائيلية على لبنان تَقْرَع طبولَها فهل… تَقَع؟ .



