تتزايد مؤشرات التنافس التركي الإسرائيلي في المنطقة. قبل أيام مدّد البرلمان التركي وجود القوات العسكرية التركية على الأرض في سوريا، العراق، وفي لبنان من ضمن قوات الطوارئ الدولية. على مدى السنوات الماضية، نجحت أنقرة في تثبيت مناطق نفوذها في المنطقة، وفي البحر الأبيض المتوسط، في موازاة عملها النشط في القوقاز وبعد تحقيق ما حققته مع أذربيجان. وتطمح تركيا إلى لعب دور واسع على مستوى المنطقة، وفي مجال تصدير النفط والغاز في اتجاه أوروبا، وخطوط التجارة، إضافة إلى الخلفيات التاريخية والثقافية التي تدفعها إلى تثبيت هذا النفوذ. ولعبت أنقرة دوراً أساسياً في غزة، وهي تستعد للنزول ميدانياً على الأرض. وبعد وقف إطلاق النار، دخلت الجمعيات التركية لتقديم المساعدات للقطاع، فيما هناك استعداد لإرسال قوات عسكرية.
دور تركي في غزة بموافقة أميركية
يأتي ذلك بالتزامن مع جولة خليجية أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحث في خلالها تعزيز العلاقات، والدخول في صفقة شراء طائرات يوروفايتر من دولة قطر. وهذه الطائرات تنوي تركيا شراءها من بريطانيا، لكن هناك حاجة إلى بضع سنوات كي تتسلمها، فيما تفاهمت مع البريطانيين والأميركيين على شرائها من قطر حالياً، ما يشير إلى تعزيز القدرات العسكرية والجوية، خصوصاً للقوات التركية، إضافة إلى التفاوض مع الولايات المتحدة على شراء طائرات f35 ، وحتماً سيكون ذلك محط إزعاج لإسرائيل. ونجحت أنقرة في لعب دور أساسي يرتبط بمستقبل غزة. وبحسب المعلومات، فإن الدخول التركي على الخط يأتي بناء على تفاهم مع الفلسطينيين ولا سيما مع حركة حماس، إضافة إلى التفاهم مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
باب على المتوسط وثرواته
وبحسب المعلومات، فإن الإدارة الأميركية هي أكثر المتحمسين لكي تلعب تركيا هذا الدور بوصفها ضامناً لحركة حماس وتطبيق الاتفاق، تماماً كما ستلعب واشنطن دور الضامن الذي يلزم إسرائيل بتطبيق الاتفاق من جهتها. لذا، وبناء على التفاهم مع الأميركيين، لا يعير الأتراك اهتماماً لرفض إسرائيل دخول قواتهم إلى غزة. علماً أن وجود القوات التركية على أراضي القطاع يعني أن أنقرة فتحت باباً جديداً نحو المتوسط، في ظل اهتمامها الإستراتيجي بما يحتويه هذا البحر على حقول الغاز، على سواحل تركيا، سوريا ولبنان، مع التذكير بأن أنقرة كانت قبل سنوات قد أبرزت اتفاقاً استراتيجياً مع ليبيا لضمان وجودها في البحر المتوسط.
“تفاهم مُلزم” مع السعودية
ليس البحر وحده هو مجال التنافس بين تركيا وإسرائيل، بل البرّ أيضاً، ولا سيما في سوريا. فمنذ سقوط نظام بشار الأسد، ارتفع منسوب التنافس والتوتر التركي الإسرائيلي. فأرادت تل أبيب قطع الطريق على توسيع أنقرة لنفوذها في سوريا، فيما سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الإعلان عن الاستعداد للدخول في استثمارات كثيرة في سوريا، وإحياء خط الحجاز التاريخي في اتجاه الخليج، ولا سيما السعودية، إضافة إلى إبداء الاستعداد للتعاون في سبيل ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا. كما أن تركيا تبدي اهتماماً في إجراء تدريبات عسكرية للجيش السوري، وتبحث في إبرام اتفاقات لتزويد القوات السورية بالأسلحة والقدرات العسكرية. ويأتي ذلك بالتفاهم والتنسيق مع المملكة العربية السعودية، لا سيما أن أنقرة والرياض يحتكمان الى التفاهم الموضوعي والملزم لهما في سوريا، ضمن إطار نظرتهما إلى المنطقة ككل وتوازناتها، مع الإشارة إلى أنه لا يمكن لأي دولة من الدولتين القبول بما تقوم به إسرائيل لتكريس سطوتها وتثبيت نفوذها المتفوق على الجميع، خصوصاً أن إسرائيل، إذا نجحت في ما ترمي إليه، من فلسطين إلى سوريا ولبنان، فالمرحلة التالية من مشروعها ستكون في اتجاه استضعاف تركيا والسعودية.
ممرّ يقطع خط التجارة التركي- الخليجي
ليس الإعلان التركي عن دراسة تفعيل خط الحجاز بالأمر التفصيلي. فهو لا يحتوي فقط على استعادة تاريخية لإرث ثقافي، بل هو مشروع ذو بُعدٍ استراتيجي يتصل بخطوط التجارة. فتركيا والسعودية تتقاطعان على الجغرافيا السورية لجعلها نقطة انطلاق أساسية للتصدير أو لاعتمادها خطاً أساسياً من خطوط التجارة في المنطقة وباتجاه أوروبا. وإعادة تفعيل خط الحجاز من الخليج إلى تركيا وبالعكس، سيكون تهديداً للطموحات الإسرائيلية وقطعاً لأي طموح إسرائيلي في اعتماد “ممر داوود” من الجولان باتجاه الجنوب السوري، ومن هناك باتجاه شمال شرق سوريا والحدود مع العراق. وهنا، يُمكن فهم السبب الإسرائيلي الفعلي في الحديث عن ممر إنساني باتجاه السويداء، هذا الممر الذي يشق محافظة درعا إلى شقين. فإسرائيل تريد قطع الطريق على خط التجارة التركي الخليجي، كي تكون هي الطرف الأكثر تأثيراً على المسار الاقتصادي التشاركي ما بين تركيا والخليج، والذي تستفيد منه سوريا تحديداً.
تركيا تقارع إسرائيل في سوريا وغزة.. فأين لبنان؟ .


