نحو حزام أمني عازل جنوب لبنان؟

بدأت مصادر ديبلوماسية غربية في بيروت تتحدث علناً عن توقعاتها للبنان في المرحلة المقبلة، وهي سلبية للغاية.

 

الحديث يدور عن خيبة أمل كبيرة من الدولة اللبنانية نظراً لضعفها في التعامل مع قضية نزع سلاح “الحزب”، الذي يسير ببطء شديد للغاية، وخصوصاً أن الدولة اللبنانية تركز على تسلّم السلاح من “الحزب” في منطقة جنوبي نهر الليطاني التي تُعْرف أيضاً بمنطقة عمليات قوات “اليونيفيل”، علماً بأنها لم تصادر كل السلاح الذي يمتلكه الحزب المذكور، ولم تستكمل تسلّم سلاح المنظمات الفلسطينية من مخيمات الجنوب المحيطة بمدينة صور.

 

ومن المعلوم أن حركة “فتح” التابعة للرئيس الفلسطيني محمود عباس وحدها وافقت على تسليم سلاحها ونفذت جزءاً من تعهداتها للحكومة اللبنانية. لكن بقيّة المنظمات الفلسطينية وفي مقدمها حركة “ح” وحركة “الجهاد الإسلامي” ومجموعات من المنظمات الإسلامية الأقل بروزاً، ولكنها لا تقل خطورة عن المنظمات الكبيرة، رفضت حتى الآن الامتثال لقرارات الحكومة اللبنانية. وبذلك بقيت منطقة عمليات قوات “اليونيفيل” المحاذية للحدود مع إسرائيل على عمق معدله 10 كيلومترات من “الخط الأزرق” (وهو بمثابة حدود شبه نهائية بين لبنان وإسرائيل رسّمتها الأمم المتحدة) منطقة غير خالية من السلاح غير الشرعي بنسبة 100%.

وبنظر المجتمع الدولي والدول العربية المعنية بلبنان فإن “إنجازات” الدولة اللبنانية غير كافية على الإطلاق. والسبب أن أكثر  10 أشهر مرت منذ أن توقفت العمليات العسكرية الكبرى بين إسرائيل و”الحزب”، وما حققته الدولة حتى الآن قليل جداً مقارنة بحجم الضربة القاصمة التي تلقاها الحزب المذكور على يد الجيش الإسرائيلي.

وتلاحظ المصادر الديبلوماسية الغربية التي تحدثنا إليها في بيروت، أن الجيش اللبناني قدّم للحكومة في 5 أيلول/سبتمبر الفائت خطة من خمس مراحل لحصر السلاح بيد الدولة، اقتصر التركيز فيها على مرحلة أولى تتناول بالتحديد منطقة عمليات “اليونيفيل”، فيما المراحل الأخرى المتعلقة ببقية المناطق اللبنانية بقيت مبهمة وغامضة.

 

في ذلك اليوم كانت تقديرات ديبلوماسية عربية وغربية تتحدث عن “ضربة” لانطلاقة الدولة اللبنانية ومؤسساتها، ولا سيما أنها اعتبرت بمثابة تراجع حاسم في الزخم الذي أحدثته جلستا الحكومة يومي 5 و7 آب/ أغسطس اللتان اتخذت فيهما قرارات تاريخية بشأن نزع كل سلاح غير شرعي في لبنان. بمعنى آخر، تحوّل الجهد الرسمي اللبناني في ما يتعلق بزع السلاح إلى التركيز على مطالب محقة من الناحية المبدئية مثل وقف الضربات الإسرائيلية، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من النقاط التي احتلها في الجنوب اللبناني، وتحرير الأسرى من مقاتلي “الحزب”.

في المقابل تجمّدت عمليات البحث عن سلاح الحزب المذكور في منطقة “اليونيفيل”، ومعها عمليات المصادرة بذريعة أن الحكومة اللبنانية تنتظر انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب لكي تستكمل نزع السلاح في تلك المنطقة. أما إسرائيل فقد ردّت أنها تنتظر مزيداً من الأفعال من جانب الجيش اللبناني أقلّه في محاذاة الحدود. والحقيقة أن ترجمة هذا المأزق الذي وصلنا إليه أن لبنان وإسرائيل دخلا في لعبة أيهما قبل الأخرى “البيضة أم الدجاجة”!

 

إزاء الوضع الحالي ثمة تطورات مقلقة تحدث شمالي نهر الليطاني. وتعود خطورتها إلى أنها قد تشكل الذريعة المٌثلى لإسرائيل لكي تقوم بأحد أمرين: الأول، أن تشنّ – كما لمّح قبل أيام المبعوث الأميركي توم براك – حرباً جديدة ضد “الحزب”.

 

والثاني، أن تنفذ بالتدريج تحرّكات لإقامة منطقة عازلة في الجنوب اللبناني على طول الحدود مع إسرائيل. والخطير في الأمر أن المنطقة التي نتحدث عنها ستكون خالية من السكان بذريعة أن السكان المدنيين يشكلون الحاضنة التي من خلالها يعود مقاتلو “الحزب” إلى القرى والبلدات الحدودية.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار الصدمة التي أحدثتها عملية “طوفان الأقصى” في الوعي الإسرائيلي، فإن احتمال تكرارها في أي مكان آخر في لبنان أو سوريا هو مصدر قلق وخوف.

من هنا خطورة مسارعة إسرائيل إلى إقامة منطقة عازلة تقدم لها أسباباً موجِبة عدة، أهمها فشل الحكومة اللبنانية في نزع سلاح “الحزب”، وظهورها بمظهر الطرف الأضعف العاجز عن منع إعادة ترميم قدرات “الحزب” العسكرية في جميع أنحاء لبنان. فمسوؤلو الحزب يعلنون بصراحة أنهم أعادوا بناء قواتهم العسكرية، وأنهم يرفضون نزع سلاحهم بالمطلق. وهم يعززون البنية العسكرية التي يمتلكونها خلف نهر الليطاني، وعملياً يتجاوزون بذلك الشعار الذي رفعته الحكومة ورئاسة الجمهورية في الأشهر العشرة الأخيرة.

 

في هذا الصدد تحذر المصادر الديبلوماسية الغربية من أن الحكومة اللبنانية تواجه خطر استعادة “الحزب” قدراته العسكرية ما يحيلها إلى صفوف المتفرجين. وفي المقابل تزداد احتمالات مسارعة إسرائيل إلى إقامة منطقة عازلة خالية من السكان فوق ركام قرى وبلدات الحافة الأمامية قبالة الحدود مع إسرائيل. والقاعدة الذهبية التي تحرك تل أبيب هي أن منطقة خالية من السكان وحدها هي منطقة خالية من مقاتلي “الحزب”!​

نحو حزام أمني عازل جنوب لبنان؟ .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...