إلى جانب الضغوط العسكرية والسياسية المتواصلة التي يواجهها لبنان، برز في الآونة الأخيرة شكل جديد من الضغوط ذات الطابع المالي والاقتصادي، يتمثّل في محاولة واشنطن الانتقال من مرحلة فرض العقوبات إلى مرحلة تفعيلها ميدانيّاً عبر آليات تنفيذية أكثر صرامة.
فبعد أن كانت العقوبات الأميركية تقتصر على تجميد الحسابات ومنع التحويلات المالية للأفراد أو الجمعيات المرتبطة بـ«حزب الله»، تسعى الإدارة الأميركية اليوم إلى توسيع نطاق القيود بحيث تشمل عمليات البيع والشراء ونقل الملكية بهدف منع الحزب من تسييل أملاكه، في خطوة تُنذر بتشديد غير مسبوق في سياسة «الخنق المالي» للحزب ومحيطه الاجتماعي.
وتأتي هذه الإجراءات في إطار استراتيجية أميركية أوسع تهدف إلى تجفيف مصادر التمويل وتعميق العزلة الاقتصادية، بما يجعل الضغوط المالية جزءاً مكمّلاً للأدوات السياسية والعسكرية المستخدمة للحدّ من نفوذ الحزب في الداخل اللبناني والإقليم.
في هذا السياق، أصدر وزير العدل اللبناني عادل نصار مؤخرا تعميما موجّها إلى كتّاب العدل، يقضي بمنعهم من إجراء أي معاملة قانونية تخصّ شخصيات أو مؤسسات مشمولة بالعقوبات الأميركية، في خطوة تعكس بداية ترجمة داخلية للبنود العقابية الأميركية ضمن المنظومة القانونية اللبنانية. ويُعمل حاليا على إعداد آلية تنفيذية واضحة لتطبيق هذا القرار بما يحدّ عمليا من قدرة هؤلاء على بيع أو شراء العقارات واستخدامها كوسيلة لتجميد أو حماية أموالهم.
وتشير معطيات سياسية إلى أن هذه الإجراءات قد تتوسع تدريجيا لتشمل تقييد الحقوق المدنية والسياسية لمن تشملهم العقوبات، وصولا إلى احتمال منعهم من الترشح للانتخابات النيابية، وهو ما يحمل في طيّاته دلالات سياسية عميقة تتعلق بإعادة رسم التوازنات داخل المشهد اللبناني.
ففي السابق، كانت الدولة اللبنانية قد لجأت إلى حلول وسط، منها فتح حسابات لنواب «حزب الله» الخاضعين للعقوبات داخل وزارة المال بالتنسيق مع مصرف لبنان، لتمكينهم من تسديد رسوم الترشيح وتمويل حملاتهم الانتخابية. أما اليوم، فإن الاتجاه نحو منع أي تعامل مالي رسمي معهم قد يقطع الطريق نهائيا أمام مشاركتهم في الحياة السياسية، في ما يُعتبر جزءا من الضغوط الأميركية غير المباشرة لدفع «حزب الله» إلى التحول نحو دور سياسي صرف، منزوع الأدوات المالية والتنظيمية.
في سياق متصل، أعلن الجيش الإسرائيلي مؤخراً إجراء مناورة عسكرية واسعة النطاق مدة خمسة أيام على طول الحدود اللبنانية، تهدف إلى محاكاة قتال بري في تضاريس وعرة، بالإضافة إلى التعامل مع البنى التحتية العسكرية تحت الأرض، بما يتضمن إشارات غير مباشرة إلى احتمال دخول القوات الإسرائيلية إلى مواقع محددة تُعدّ مخزناً محتملاً لأسلحة «حزب الله»، بهدف تفكيكها وسحبها.
وتأتي هذه المناورات في ظل تصاعد التسريبات الإسرائيلية التي تشير إلى تقييمات أمنية تفيد بأن الحزب يعمل على إعادة بناء قدراته العسكرية، ما يضاعف التوتر في المنطقة ويزيد من المخاوف اللبنانية من احتمالات تنفيذ عمليات عسكرية إضافية داخل الأراضي اللبنانية.
العقوبات الأميركية قد تتحول إلى حرب انتخابية على «الحزب » .




