عندما “تنحر” طهران “الحزب” ولبنان

بين رسائل تحدّي قرار الحكومة اللبنانيّة عدم السماح بإضاءة صخرة الروشة بصورة الأمينين العامَّين السابقَين لـ”الحزب” حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدين، وبين موقف مرشد الجمهوريّة في إيران علي خامنئي من التفاوض مع أميركا علاقة عضوية. في ذكرى اغتيال نصرالله في طهران قبل 3 أيّام، أعلن أنّ “قصّة “الحزب” مستدامة ولا ينبغي إهمال هذه الثروة”. في المناسبة ذاتها أعلن أنّ المفاوضات مع أميركا بلا فائدة. قصف الذراع الحوثيّة في اليمن مدينة إيلات بعد ساعات على موقفه يتّسق مع العودة إلى تحريك الأذرع للتفاوض أو المواجهة.

 

ابتدع رجال “حرس الثورة” الإيرانية في “الحزب” صورة معلَم لبنانيّ له سمعة عالميّة، هو صخرة الروشة، لتوجيه رسائل إيران لأميركا وأوروبا.

تتّجه طهران إلى تحدّي ومواجهة الضغوط الدوليّة عليها قبل ساعات من تفعيل صيغة “سناب باك” لاستعادة العقوبات الأمميّة ضدّها بسبب ملفّها النوويّ. ليس صدفة أن يرفرف العلم الإيرانيّ بين الجموع الحزبيّة التي شاركت بفعّاليّة في إضاءة صخرة الروشة بصورتَي نصرالله وصفيّ الدين.

ترمز صخرة الروشة الشامخة على الشاطئ إلى الكثير في الفضاء اللبنانيّ. هي مثل قلعة بعلبك الأيقونة السياحية اللبنانية العالميّة، وصورتها على البطاقات البريديّة والبوسترات الدعائيّة للسياحة والعملة الوطنيّة.

الانتحار… من رمزيّات الصّخرة

لها مكانة في النشاطات الرياضيّة. من على سطحها تجري مباريات القفز العالي في البحر. وكانت نقطة النهاية لسباقات السباحة للمسافات الطويلة من مدينة صيدا إلى بيروت في ستّينيّات القرن الماضي.

دفع الخليط الذي صنع سمعة الصخرة بـ”الحزب” إلى تنظيم استعراض القوّة والتحدّي اللذين أرادهما بحجّة إحياء الذكرى الأولى للاغتيال.

تذكّر كثُرٌ أنّه كانت لها رمزيّة مشؤومة. بعض من ضاقت بهم سبل الحياة إلى حدّ الرغبة بالانتحار، جرّاء أوضاع نفسيّة، كانوا يرمون بأنفسهم من على تلك الصخرة الشاهقة الارتفاع فتتكسّر عظامهم على الصخور السفلى ويغادرون الحياة.

جرّ الدّولة واللّبنانيّين…

علّق البعض الآخر بالقول: إذا كان “الحزب”، عبر تحدّيه الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي وأميركا وإسرائيل برفضه قرار الحكومة سحب سلاحه، يجنح نحو الانتحار، فإنّه يأخذ معه الدولة اللبنانية والحكومة وكلّ اللبنانيّين. باستعراض القوّة الرافض لسحب السلاح، يقحم “الحزب” البلد في مواجهة سياسيّة مرشّحة للتصاعد الخطير، عبر اندفاعة إسرائيليّة عسكريّة جديدة متوقّعة ضدّ مواقعه بإجازة أميركيّة. لا يأبه “الحزب” لذلك ما دامت التعبئة العقائديّة في صفوفه تقوم على أنّ “الشهادة نصرٌ” مع أنّها لا تهزم إسرائيل.

تتصرّف إيران و”الحزب” بدرجة عالية من العبثيّة حيال الدولة والمخاطر التي تحدق بلبنان. فإزاء اعتبارها أنّ البلد منطقة نفوذ أميركيّ يحدّ من استخدامه لتوجيه رسائل بالقوّة العسكرية والتأثير السياسي، تعتقد أنّها تتحرّش بواشنطن وتزعجها لحملها على تغيير موقفها حيالها. وربّما تراهن على أن تعود أميركا إلى سياسة غضّ النظر عن تمدّدها الإقليميّ بمواجهة “التمرّد” العربي والخليجي على سياسة ترامب في فلسطين. واقع الحال أنّ إدارة دونالد ترامب لا تقيم وزناً لتحرّشاتها.

تتعاطى إيران مع ساحة لبنان على أنّها مجالٌ حيويّ لدور سعوديّ راجح ونافذ يقلّص تدريجاً هيمنتها لعقدين على قراره السياسي لمصلحة تقوية السلطة المركزيّة فيه.

عجز الحكومة عن سحب السّلاح؟

تختصر “موقعة” صخرة الروشة جملة مفاعيل وأهداف بعيدة وقريبة:

  • اعتبر معظم المعلّقين أنّه إذا كانت الحكومة اللبنانية عاجزة عن تنفيذ قرارها بمنع إضاءة الصخرة، فكيف ستتمكّن من سحب سلاح “الحزب”؟ أظهر ما حصل السلطة اللبنانيّة ضعيفة، وهو ما يسهّل للجناح الأميركي المتشدّد في دعمه إسرائيل أن يبيح لها استخدام آلتها العسكريّة. في اعتقاد من يتابعون قضيّة لبنان في واشنطن أنّ ما حصل يعزّز حجج الجزء اليمينيّ من اللوبي اللبنانيّ الداعي إلى استعمال القوّة لسحب السلاح، والذي يتلاقى مع الجناح اليمينيّ المتطرّف في الحزب الجمهوريّ والكونغرس. وفي اللوبي اللبنانيّ المتشدّد شخصيّات تدعو إلى اعتماد الفدراليّة للبنان.

منع طائرتين إيرانيّتَين    

  • إنهّا ردّ من “الحزب” على منع السلطة اللبنانية طائرتين إيرانيّتين من الهبوط في مطار بيروت تقلّ شخصيّات إيرانيّة طلبت طهران الإذن لهما قبل أسبوع بحجّة مشاركتهم في ذكرى اغتيال نصرالله. رفض الجانب اللبناني إعطاء هذا الإذن نظراً إلى أنّ إسرائيل كانت هدّدت بإسقاط أيّ طائرة إيرانيّة في مطار بيروت. وجاء ذلك بعدما قال الموفد الرئاسي الأميركي توم بارّاك إنّ “الحزب” هرّب أموالاً إلى لبنان بقيمة 60 مليون دولار شهريّاً. هذا علاوة على إعلان رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف أوّل من أمس أنّ ” تزويد “الحزب” بالصواريخ ليس مستحيلاً… ولو كنت قائد “الحزب” لشننت الحرب على إسرائيل في عمق 100 و200 كيلومتر”.

إيقاظ الغرائز… والاحتجاج على لقاء ترامب؟       

  • في الأبعاد الإقليميّة تحتجّ طهران عبر “موقعة” صخرة الروشة، على استبعادها عن البحث في ترتيبات المنطقة في اجتماع ترامب مع 8 دول عربية وإسلامية كبرى في نيويورك لاقتراح حلول للقضيّة الفلسطينيّة. فهي شريكة في القمّة العربية الإسلامية في الدوحة التي أدّت إلى الاجتماع الذي استُبعدت عنه، على الرغم من أن لا ضمانات أن تنجح هذه الترتيبات. يطاول “الاحتجاج” الإيرانيّ عبر “الحزب” قيادة المملكة العربية السعوديّة للتحرّك الدوليّ من أجل حلّ الدولتين الذي لا تؤمن به طهران. ظهر ذلك في حملات بعض المشاركين في فعّاليّة الصخرة على المملكة ودورها في لبنان.
  • لا تهتمّ القيادة الإيرانيّة لإيقاظ المشاعر الطائفيّة والمذهبية على الرغم من محاولات نبيه برّي إخمادها. فرفع صور مركّبة لنصرالله مع رئيس الحكومة الأسبق الشهيد رفيق الحريري (المدان “الحزب” باغتياله) ونجله رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري استفزّ الشارع البيروتيّ والسنّيّ، إضافة إلى الشارع المسيحيّ. ذكّر المشهد على الكورنيش باجتياح “الحزب” المسلّح للعاصمة في 7 أيّار 2008. الإصرار على إضاءة صورة إصبع نصرالله الذي كان يهدّد به ويتوعّد أثناء خطبه، مستفزّاً شرائح واسعة، انقلب على “الحزب” مع ظهور مقاتلين يتبخترون بالدرّاجات الناريّة في وسط العاصمة.
Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...