منذ عقود، ظلّت صخرة الروشة أيقونة بيروت وصورتها الأكثر تداولًا في الذاكرة الجماعية اللبنانية والعالمية، بحرها وصمودها شكّلا معًا رمزًا جامعًا يتجاوز الانقسامات. اليوم، ومع الحديث عن رفع صورة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على الصخرة في ذكرى اغتياله، ينفتح الباب مجددًا على الجدل الأبدي في لبنان: لمن تعود الرموز، ولمن تُرفع الرايات؟
بالنسبة لمؤيدي حزب الله، الخطوة تعني وفاءً لزعيم استثنائي و”شهيد” في المواجهة مع إسرائيل، وتجسيدًا لمعنى الصمود. الروشة، في نظرهم، تتماهى مع شخصية نصر الله: ثابتة بوجه الأمواج، متجذرة رغم العواصف.
لكن بالنسبة لشرائح واسعة أخرى، الأمر ليس سوى تسييس فجّ للفضاء العام وتحويل رمز وطني ملك للجميع إلى صورة حزبية لا تعكس تنوع لبنان ولا وجه بيروت المنفتح.
المسألة تتجاوز الحدث بحد ذاته: إنها تعكس معركة الرموز في لبنان، حيث لا يبقى حجر أو ساحة أو شارع بعيدًا عن الصراع السياسي. رفع صورة نصر الله على الروشة سيكون، في نظر مؤيديه، تثبيتًا لهيمنة رمزية لحزب الله على العاصمة. أما معارضوه، فيخشون أن تتحول بيروت إلى مدينة محجوزة لهوية واحدة، فيما يُقصى الآخرون من مشهدها العام.
في النهاية، يبقى السؤال: هل تستطيع بيروت أن تحافظ على رموزها الوطنية الجامعة وسط محاولات استملاكها من قِبل بعض القوى السياسية؟ الروشة، التي قاومت البحر قرونًا، تبدو اليوم مدعوة لمقاومة نوع آخر من العواصف؛ عواصف السياسة اللبنانية التي لا تُبقي رمزًا خارج دائرة الصراع.