إسرائيل «ترتقي» في تصعيدها المُتَدَحْرِج… من عين الحلوة إلى الجنوب

– «عين الحلوة» تقطر دماً… 14 قتيلاً ونحو 30 جريحاً
– نجاة 26 طالباً وطالبة من أبناء بنت جبيل
– لبنان يحاول احتواء «هزة» إلغاء زيارة قائد الجيش لواشنطن

لم يكن لبنان تَجاوز بعد انتقالَ الولايات المتحدة إلى «سياسة الصدمة» في تعاطيها معه عبر إلغاء مواعيد قائد الجيش العماد رودولف هيكل في واشنطن وتالياً فرْض التأجيل «القسري» لها، حين عادتْ اسرائيل إلى استراتيجية تكثيف الاعتداءات وتنويعها، اغتيالات وغاراتٍ «على الخريطة» ضد بلدات في عيْنها، وصولاً إلى توسيع رقعة «الضربات الاستباقية» ضدّ ما تَعتبره خطراً محتمَلاً لتشمل حركة «حماس» في قلب مخيم عين الحلوة (صيدا) الذي تعرّض لاستهدافٍ دموي مروّع.

وفي الوقت الذي كانت المنطقةُ والعالم مشدوديْن إلى الزيارة فوق العادية لولي العهد رئيس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، لواشنطن وتعميقها شراكة استراتيجية بين البلدين وتكريسها الرياض نموذجاً لـ «نفوذ الدور» الاقليمي كما الدولي في إطار «الشرق الجديد» الذي تتمسّك المملكةُ بأن يمرّ بـ «حلِّ الدولتين»، لم يَخرج لبنان من دائرة الخطر بأن «يفوته قطارُ» التحولات الكبرى في المنطقة – رغم أنه شكّل أحد أبرز الحلقات التي أتاحتْ إطلاق «رياح التغيير» – أو أن يلتحق به بعد أن تهبّ عليه عاصفةُ نارٍ جديدة يُخشى أن تكون الأعتى.

وهذا التحدّي الخطير والمصيري الذي يواجهه لبنان تَعَزَّزتْ مؤشراتُه مع الإجراء غير المسبوق من واشنطن تجاه الجيش اللبناني وقيادته والذي بدا من الصعب تَجاهُل ما انطوى عليه من «رسائل مشفّرة» لرئيس الجمهورية العماد جوزف عون، والذي لم تتأخّر اسرائيل في تحويله «غطاء نارياً» لارتقاءٍ جديد في اعتداءاتها اليوم الأربعاء ولا سيما بعدما ارتكز «قفْل الأبواب» أمام هيكل في واشنطن على «مضبطة اتهامٍ» للمؤسسة العسكرية اللبنانية بشخْص قائدها بالقيام «بجهود شبه معدومة لنزع سلاح حزب الله (…)» مع تلويح بأن الجيش اللبناني تحوّل «استثماراً غير جيّد لأميركا».

وفي استشعارٍ لحراجة الموقف بعد ارتسام «جبهة رفْض» داخل حلقةٍ لصيقة بالرئيس دونالد ترامب لأداء لبنان والجيش في ملف سلاح «حزب الله»، والخشية من ارتجاجاتٍ إضافية قد تحمل المزيد من «الأخبار غير السارة» لبيروت، تعاطتْ «بلاد الأرز» مع إعلان «الطريق غير سالك» أمام هيكل الى واشنطن وفيها بمزيجٍ من الاحتضان لقائد الجيش، وفتْحِ قنوات التواصل مع الولايات المتحدة لتبديدِ أيّ التباساتٍ ساهمتْ في تعريضِ العلاقات معها لهزّةٍ يُخشى أن تكون «أول غيثٍ» إجراءاتٍ لـ «تأطير» الفترة الفاصلة عن نهاية السنة بضغوط متدحرجة تحت عنوان إنجاز سَحْبِ سلاح «حزب الله» وإلا ارتفعتْ مخاطر تجديد اسرائيل حربها «لإتمام المهمة».

وقد أجرى عون اتصالاً بهيكل قدّم له فيه التعازي بالعسكرييْن اللذين استشهدا خلال ملاحقة تجار المخدرات في حي الشراونة في بعلبك ليل الثلاثاء، ومتمنياً الشفاء العاجل للعسكريين الجرحى.

وكان لافتاً أن رئيس الجمهورية أطلّ ضمناً على ملف إلغاء زيارة هيكل لواشنطن، مؤكداً «تصميم المؤسسة العسكرية بالتعاون مع القوى الامنية الأخرى على المضي في تطبيق القوانين وملاحقة المرتكبين والحد من الجريمة على مختلف أنواعها، بالتزامن مع حماية الحدود وبسط سلطة الدولة»، ومعلناً «لن يثني الجيش شيئاً عن القيام بدوره الوطني، لا الحملات المشبوهة ولا التحريض ولا التشكيك من أي جهة أتى سواء من الداخل أو الخارج».

واعتُبر موقف عون وإشارته إلى الحملات والتحريض «والتشكيك من الداخل أو الخارج» بمثابةِ صدى لمناخاتٍ سبق أن أشار إليها قبل أيام حين تحدّث عن امتهان فئة من اللبنانيين «بخ السم» في الولايات المتحدة، كما تثبيتاً لـ «ثقته» بقائد الجيش الذي كان قلّده أواخر سبتمبر وسام الأرز الوطني من رتبة الوشاح الأكبر «تقديراً لعطاءاته وللمهام القياديّة الّتي يتولّاها» وذلك غداة الانتقادات التي وُجّهت إليه على خلفية إدارة الجيش ملف إضاءة صخرة الروشة بصورة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الذكرى الاولى لاغتياله خلافاً لتوصيات رئيس الحكومة نواف سلام بمنع ذلك.

وإذ اكتسب حضور السفير الأميركي الجديد في بيروت ميشال عيسى اليوم الأخير من «مؤتمر بيروت 1» وتحديداً الجلسة الختامية التي تخللها حوار مع رئيس الحكومة نواف سلام، جنباً إلى جنب مع السفير السعودي وليد بخاري، أهميةً خاصة في لحظةِ «الانتكاسة» التي عبّرت عنها ملابسات إلغاء زيارة هيكل لواشنطن واعتبارها بمثابة «فرملة» لمجمل مسار دعم الجيش ريثما يكون سلاح حزب الله سُحب واستُكملتْ الإصلاحاتُ المالية لقطْع «انابيب» تمويله، لم يكن عابراً كلام سلام أمام المجتمعين وتشديده على أنه «من دون الأمن والاستقرار سنفوّت على لبنان فرصة النهوض ولن تأتي الاستثمارات، والأمن لن يتحقق إلا ببسط سلطة الدولة بقواها الشرعية على كافة الأراضي اللبنانية».

ولفت إلى أنّ «لبنان عاد إلى العالم العربي والعالم العربي بدأ يعود إلى لبنان ونأمل برفْع الحظر (السعودي) قريباً جداً عن الصادرات اللبنانية»، موضحاً «أننا وضعْنا البلد على السكة الجديدة وللمرة الأولى هناك عمل جدي لبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وعلينا استكمال هذه المسيرة». وإذ أشار إلى أنّ «هناك أزمة ثقة بين المواطن والدولة وبين لبنان والعالم العربي والمجتمع الدولي، وحكومتنا تعمل على استعادة هذه الثقة»، أضاف: «نعمل بطريقة بجدية ومختلفة، ومشاركة الوفد السعودي في المؤتمر تدل على بداية استعادة ثقة المملكة بلبنان».

غارات إسرائيلية

وعلى وقع توهُّج هذه العناوين البالغة الحساسية، وسّعت اسرائيل اعتداءاتها، مستعيدةً سيناريو «وضْع إكس» على مبانٍ داخل قرى وتوجيه إنذار بلسان الناطق باسم جيشها أفيخاي أدرعي بالإخلاء بذريعة ضرب بنى تحتية لـ «حزب الله» و«التعامل مع المحاولات المحظورة التي يقوم بها لإعادة إعمار أنشطته في المنطقة».

وفي حين باغت ادرعي 4 بلدات بعد ظهر اليوم الأربعاء بوضْعها على لائحة «الدوائر الحمر» في قضاءي صور وبنت جبيل، وهي طيرفلسيه وعيناتا ودير كيفا وشحور، ما تسبب بحركة نزوح وحال ذعر بين السكان، فإن ما سبق هذه الغارات – التي قال مصدر أمني اسرائيلي (للقناة 12) إنها في سياق استمرار جهود فرْض اتفاق على «حزب الله» – لم يقلّ خطورة.

ففي بلدة الطيري أغارت مسيّرة على سيارة زعم الجيش الاسرائيلي أنه كان بداخلها عنصر من «حزب الله» كان «ضالعاً في محاولات إعادة رفع جاهزية الحزب في المنطقة» ما أدى الى سقوطه وجرْح 12 طالباً وطالبة جامعيين نجوا من الموت بأعجوبة.

وبحسب «الوكالة الوطنية للإعلام»، فإنّ الطلاب كانوا في حافلة صودف مرورها بالقرب من السيارة التي استُهدفت صباحاً بصاروخين موجّهين والتي كان يقودها أمين الصندوق في بلدية الطيري بلال محمد شعيتو مما ادى الى استشهاده.

وأشارت الى أن الحافلة المتوسطة الحجم كان بداخلها 26 طالباً وطالبة من أبناء بنت جبيل والبلدات المجاورة «تقلّهم كل صباح بهذا التوقيت الى الجامعة الاسلامية والجامعة اللبنانية الدولية في مدينة صور. وتسببت الشظايا المتطايرة من صاروخيْ الغارة بإصابة 12 منهم بجروح مختلفة، وقد نُقلوا إلى المستشفى وغادرها 9 منهم فيما خضعت 3 طالبات، إحداهن لعملية جراحية والبقية للمراقبة الدقيقة».

وقال رئيس البرلمان نبيه بري «مرة جديدة يكرر العدو الإسرائيلي جريمته باستهداف المدنيين والأطفال وطلاب المدارس والجامعات وآخرها في بلدة الطيري، مطمئناً أنّه فوق الحساب والمحاسبة، لا بل للأسف بات لبنان الملتزم القرار 1701 واتفاق وقف العمليات الحربية في نوفمبر 2024 محط إدانة وانتقاد».

وشدد على أنّه «لا بد للبنان من مواصلة تقديم الشكاوى لمجلس الأمن، وهو اليوم مطالب بالدعوة إلى عقد جلسة عاجلة للمجلس لتكريس الحق اللبناني والإدانة للخروق الإسرائيلية سواء باستهداف المدنيين أو ضمّ الاراضي».

مجزرة عين الحلوة

وجاء هذا التطور غداة غارة غير مسبوقة شنّها الجيش الاسرائيلي ليل الثلاثاء على مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين أدت إلى سقوط نحو 14 شخصاً وإصابة 28 بجروح.

وزعم الجيش الاسرائيلي أنه استهدف موقعاً تدريبياً لحركة «حماس» في المخيم و«مسلحين نشطوا في المنطقة وكان يتم تأهيلهم لتنفيذ هجمات ضد القوات الإسرائيلية»، موضحاً أنه «تم اتخاذ إجراءات لتقليل خطر إصابة المدنيين، شملت استخدام ذخائر دقيقة، والمراقبة الجوية، والاستناد إلى معلومات استخباراتية دقيقة».

وكتب عبر «إكس»: «هل نسيتم الإرهابَ الفلسطيني الذي هزّ سيادة لبنان لسنوات وأشعل حروباً دامية على أرضه؟ اليوم يتكرّر المشهد نفسه من داخل عين الحلوة الذي بات ثغرة تضرب سيادة الدولة».

وترافق ذلك مع تقرير نشرته صحيفة «معاريف» وذكرت فيه ان «حماس حاولت ترسيخ وجودها في مخيم عين الحلوة»، ناقلة عن الجيش أنه في المكان المُستهدف «كان هناك عشرات الأشخاص، وكان الهدف إيذاءهم وإبعادهم عن قائمة التهديدات لإسرائيل».

في المقابل نفت الحركة الرواية الاسرائيلية متحدثة عن «مجزرة مروعة في عين الحلوة»، ومؤكدة أن لا منشآت عسكرية بالمخيمات الفلسطينية في لبنان.

وذكرت في بيان «ندين ونرفض العدوان الصهيوني الذي استهدف مكانا مكتظّاً بالمدنيين وقريباً من أحد المساجد، ونعده اعتداء وحشياًعلى شعبنا الفلسطيني الأعزل وعلى السيادة اللبنانية»، موضحة أن ادعاءات ومزاعم جيش الاحتلال بأنّ المكان المستهدف هو مجمع للتدريب تابع للحركة محض افتراء وكذب، يهدف إلى تبرير عدوانه الإجرامي، والتحريض على المخيمات وشعبنا الفلسطيني.

وأضافت «ما تم استهدافه ملعب رياضي مفتوح يرتاده الفتيان من أبناء المخيم».

وشكّلت هذه الغارة تطوراً دراماتيكياً في سلوكِ اسرائيل التي يُخشى أنها رمتْ من خلال الاستهداف في عين الحلوة إلى تدشينِ مرحلةٍ جديدة من اعتداءاتها التصاعدية، وسط اعتبارِ بعض الدوائر المراقبة أن سلوكَ تل ابيب تجاه هذا المخيّم يُضمر في جانب منه «لعباً على وتر» الحساسية اللبنانية – الفلسطينية.

إسرائيل «ترتقي» في تصعيدها المُتَدَحْرِج… من عين الحلوة إلى الجنوب .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...