تنبيهٌ صارمٌ إلى السياسيّين اللبنانيّين لا تُسقِطوا سيادتَكم في شِباكِ النفوذ

الخطرُ الذي أُحذِّرُ منه ليس غضباً عاطفيّاً، بل تحليلٌ موضوعيٌّ لآليّاتِ نفوذٍ سياسيّةٍ واقتصاديّةٍ وإعلاميّةٍ منظَّمةٍ تعملُ عبرَ وسائطَ متعدّدةٍ لصياغةِ مَعادنِ القرارِ الدوليّ.

أيّها السادةُ القادةُ السياسيّون في لبنان،
رغم خلافي السياسيّ مع أغلبِكم، أُرسِلُ إليكم نداءً لا يحتملُ التردّدَ…
إنّ ما يجري من محاولاتٍ لِرهنِ القرارِ الوطنيِّ عبرَ أدواتٍ اقتصاديّةٍ ودبلوماسيّةٍ وإعلاميّةٍ، ليس مجرّدَ تفاوتٍ في المصالح، بل هو مخطَّطٌ منظَّمٌ يستهدفُ إخضاعَ سيادةِ الدولِ وإفراغَ قرارِها من مضمونه.

إنّ قبولَ العقودِ أو القروضِ أو “المساعداتِ” المشروطةِ من دون رقابةٍ صارمةٍ، يعني أن تُمَهِّدوا الطريقَ لتغوّلِ نفوذٍ خارجيٍّ سيحمي مصالحَ مشروعٍ استراتيجيٍّ لا يرحمُ استقلالَ الأوطان.

لماذا هذا الإنذارُ واجبٌ الآن؟
لأنّ توظيفَ القوّةِ الماليّةِ لأهدافٍ سياسيّةٍ أصبح قاعدةً لا استثناءً. فالتمويلُ العسكريّ والاقتصاديّ يُستخدَمان اليوم كأدواتٍ للضغطِ السياسيِّ والتأثيرِ في سلوكِ الدول.
الولاياتُ المتّحدةُ، على سبيل المثال، تُقدّم دعماً عسكريّاً واقتصاديّاً هائلاً لإسرائيل، بما يؤكّدُ أهميّةَ المالِ كسلاحٍ دبلوماسيٍّ.
اللوبيّاتُ وأُطُرُ الضغطِ المنظَّمةُ ليست مجرّدَ مجموعاتِ رأي، بل أجهزةُ نفوذٍ تعملُ على تشكيلِ السياساتِ الدوليّةِ وتعبئةِ الدعمِ لحمايةِ مصالحِ مشروعٍ إقليميٍّ محدَّد. هذا التأثيرُ يتسلّلُ إلى عديدٍ من مراكزِ القرار، ويستدعي حذراً شديداً من تبعاتِ الاصطفافِ الأعمى.

للمرة المليون اقول لكم احذروا شروطَ القروضِ والبرامجِ الدوليّة، فالمؤسّساتُ الماليّةُ العالميّةُ تتبنّى أحياناً شروطاً اقتصاديّةً وسياسيّةً (إصلاحاتٍ، خصخصةً، رفعَ دعمٍ…) تُنقِصُ من استقلالِ القرارِ الوطنيِّ، وتَجعلُ الدولَ رهينةً لِشروطٍ لا تَخدُمُ مصلحةَ الشعب.
أمثلةٌ متكرّرةٌ على آثارِ هذه “الشرطيّة” وردت في دراساتِ البنكِ الدوليّ وصندوقِ النقدِ الدوليّ.

ما الذي سيحدث إن وقعتم في الشِّباك؟
فقدانُ القرارِ الاقتصاديِّ والسياسيّ: تتحوّلُ الدولةُ إلى منفِّذةٍ لبرامجٍ خارجيّةٍ تفرضُ اختياراتٍ في الخصخصةِ والسوقِ والهيكليّةِ الماليّة.
تقييدُ حرّيةِ المناورةِ الدبلوماسيّةِ: فأيّ محاولةٍ لتحريرِ المواقفِ الوطنيّةِ ستُواجَهُ بتهديداتٍ اقتصاديّةٍ أو دبلوماسيّةٍ أو إعلاميّةٍ.

وما ينتظركم بعد ذلك هو محاسبةٌ شعبيّةٌ قاسيةٌ لا مَرحَمَةَ فيها…
فالسلطةُ التي تُساهِمُ في رهنِ القرارِ لن تَنجو من مساءلةِ الشعب، والندمُ لا يُعيدُ السيادةَ ولا يُرمِّمُ كرامةَ الوطن.

نصائحُ عمليّةٌ وإجراءاتٌ فوريّةٌ للمسؤولين…
أوقِفوا أيَّ تفاوضاتٍ سرّيّةٍ أو مشروطةٍ تمسُّ السيادةَ الوطنيّةَ.
لا توقّعوا اتفاقيّاتٍ تفتقدُ إلى الرقابةِ البرلمانيّةِ ولجانِ التدقيقِ الماليّ.
أصرّوا على الشفافيّةِ والمساءلةِ البرلمانيّة.
كلُّ قرضٍ أو منحةٍ يجب أن يمرَّ عبر لجانٍ متخصّصةٍ وتدقيقٍ عامٍّ قبلَ التوقيع.
نوِّعوا الشركاءَ ومصادرَ التمويل، لكن لا تحصروا خيارَ الدولةِ بجهةٍ واحدةٍ، فالتبعيّةُ الماليّةُ تفتحُ بابَ الابتزاز.
عزِّزوا القدرةَ الاقتصاديّةَ الذاتيّةَ بتشجيعِ الصناعةِ والزراعةِ والاقتصادِ المنتجِ، والحدِّ من الاعتمادِ على الوارداتِ المشروطةِ سياسيّاً.
أنشِئوا جهازَ رصدٍ وطنيٍّ مستقلّاً لتقييمِ الاتفاقاتِ الدوليّةِ من زاويةِ السيادةِ، وكشفِ المساراتِ التي تضرُّ بالمصلحةِ العامّة.
فعِّلوا التعاونَ الإقليميَّ البنّاءَ، عبر لجانٍ مشتركةٍ مع الدولِ المجاورةِ لتبادلِ المعلوماتِ ومواجهةِ الضغوطِ المشتركة، فذلك يُضعِفُ محاولاتِ الابتزازِ والانفرادِ.

الخطرُ الصهيونيّ… مشروعُ نفوذٍ لا يُستهانُ به
الصهيونيّةُ ليست مجرّدَ فكرٍ سياسيٍّ، بل منظومةُ نفوذٍ تمتلكُ القدرةَ على تحويلِ التأثيرِ إلى قرارٍ دوليٍّ يُحاكَمُ عليه مصيرُ شعوبٍ وبلدانٍ.
ولبنانُ، بحساسيّتِه الجغرافيّةِ والسياسيّةِ، مُعرَّضٌ لأن يكونَ ملعباً لاختبارِ هذه الآليّاتِ الخطيرة.

صرخةٌ إلى السياسيّين…(يا هوووووو يا عالم ….)
المسألةُ ليست “رخصةً سياسيّةً” بل مصيرٌ وطنيٌّ.
أيّها المسؤولون، الشعبُ اللبنانيُّ لن يصفحَ عمَّن سلَّمَ حقَّ القرارِ أو استهانَ به.
فالسياسيّ الذي يختارُ الطريقَ المختصَرَ المليءَ بالشروطِ يُكتَبُ عليه أن يكونَ شاهداً على تفريطٍ تاريخيٍّ في الإرثِ الوطنيّ.
التقاريرُ والوقائعُ تُثبِتُ أنّ التمويلَ والسلاحَ والدعمَ الدوليّ تُستعمَلُ اليومَ كأدواتٍ سياسيّةٍ، وهذا يستدعي يقظةً سياسيّةً وحنكةً وطنيّةً عاليةً.

خاتمةٌ تحذيريّةٌ اعلموا، يا مَن تُمسكونَ بقرارِ البلاد، أنّ الرَّهنَ لا يُقتصَرُ على الأموالِ فقط، بل يشملُ الكرامةَ، والقرارَ، والقدرةَ على حمايةِ الشعبِ ومستقبلِه.
إنّ التنازلَ اليومَ قد لا يُستعادُ غداً، والمحاسبةُ الشعبيّةُ آتيةٌ لا مَحالَةَ.

الواجبُ الأوّلُ هو حمايةُ السيادةِ، وترسيخُ الشفافيّةِ، وبناءُ اقتصادٍ منتِجٍ يُمكّنُ الدولةَ من أن تكونَ رقماً ثابتاً لا ورقةً تُستبدَلُ عند الحاجة.

فلتكن هذه ةُ ناقوسَ إنذارٍ…
إن لم نُعزِّزْ سيادتَنا ونحمِها، فمَن يسعى لفرضِ إرادتِه سيفعلُ، وبوسائلَ قد لا تظهرُ على السطح، لكنّ أثرَها قاتلٌ في المدى البعيد.

تنبيهٌ صارمٌ إلى السياسيّين اللبنانيّين لا تُسقِطوا سيادتَكم في شِباكِ النفوذ .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...