13 تشرين صمد العسكر وخذلهم القائد

لم يكن لدى الضباط والعسكر على جبهات ضهر الوحش وضهور الشوير وبسوس، راديو “ترانزستور” ليستمعوا إلى “بيان الاستسلام” الذي سجّله العماد ميشال عون بصوته، عبر الهاتف، لإذاعة لبنان في الفنار. كان العماد عون قد أصبح في السفارة الفرنسية في مار تقلا في الحازمية، اتصل من هاتف السفير الفرنسي “رينيه ألا” بالأستاذ رفيق شلالا، في الإذاعة، وقال له إنه يريد أن يسجِّل بيانًا لبثه إلى العسكريين، أنجز الأستاذ رفيق المهمة وبث البيان الذي يطلب فيه العماد عون من العسكريين أن يتلقوا الأوامر من العماد إميل لحود.

استسلم العماد عون، لكن ضباطه والعسكر لم يعرفوا باستسلامه فأكملوا القتال حتى آخر رصاصة، فاستُشهِد مَن استُشهد، وأُعدِم مَن أُعدِم، وأُسِر من أسر، على يد الجيش السوري، وكانوا يعتقدون أن العماد عون يدير العمليات فيما الحقيقة أنه انتقل إلى السفارة الفرنسية بواسطة ملالة، ويروي أحد رؤساء الأجهزة الأمنية السابقين، الذي تولّى دورًا محوريًا منذ تلك الفترة وحتى العام 2005، وما زال حيًا ويضطلع بدور سياسي، أن العماد عون نقل معه إلى السفارة مبلغًا كبيرًا من المال، بالدولار الأميركي، بالملايين.

كانت القيادة السوريّة قد حدّدت موعدًا لموفد عون، بيار رفول، في يوم 13 تشرين، أي في اليوم الذي سقط فيه العماد عون، وكان إيلي حبيقة هو الذي أخذ الموعد لرفول من القيادة السورية وأبلغه به، ولم تكن المرة الأولى التي يلتقي فيها رفول السوريين بطلب من العماد عون.

هذه إحدى الحقائق الدامغة عن 13 تشرين 1990، ولا ينفع تزوير الحقائق وتضليل الناس، فالحقيقة يملكها اثنان، مَن استشهدوا ومَن كانوا في الميدان وبقوا على قيد الحياة.

الحقيقة الثانية أنه ليس صحيحًا على الإطلاق أن أحدًا غير القوات السورية قصف قصر بعبدا، وهذا موثق في غرفة العمليات في قيادة الجيش اللبناني آنذاك، ويعرف سجلّاتها الضباط الذين كانوا في مقرّ القيادة، والبعض منهم ما زال على قيد الحياة. وهناك شهادات موثقة لمسؤولين كانوا قادة محاور وجبهات، وتبلّغوا أوامر صارمة بعدم إطلاق رصاصة اعتبارًا من السادسة صباحًا أي قبل ساعة من بدء الهجوم السوري.

الحقيقة الثالثة، وربما يجب أن تكون الأولى في الترتيب، هي أن العماد ميشال عون لم يكن يومًا خصمًا أو معاديًا لسوريا. كانت للقيادة السورية اليد في تعيينه قائدًا للجيش خلفًا للعماد ابراهيم طنوس عام 1984، ومنذ لحظة تعيينه “كانت عينه” على رئاسة الجمهورية، وكانت مراسلاته إلى القيادة السورية تتمّ عبر الوزيرين والنائبين السابقين ألبير منصور ومحسن دلول والأستاذ فايز قزي، ولمّا يئس من أن تقبل به سوريا رئيسًا للجمهورية، أعلن “حرب التحرير”، حتى أقرب المقرّبين منه لم يُعلمهم بإعلان الحرب، عمليًا لم تكن “حرب تحرير”، بالمعنى العسكري، بمقدار ما كانت عبارة عن قصف مدفعيّ انتهى بمحاولة خرق جبهة سوق الغرب، لكن بطلًا من أبطال الجيش اللبناني هو العميد الراحل سليم كلاس هو الذي أنقذ الجبهة ومنع سقوط خط الدفاع الرئيس عن قصر بعبدا.

فشَلُ “حرب التحرير” فتحَ الطريق إلى مؤتمر الطائف، وهذه كبرى الحقائق وهي أنه “لولا حرب التحرير لَما كان الطائف”.

أمّا الحقيقة الملحّة فهي أن على قيادة الجيش أن تستردّ ذكرى 13 تشرين من مغتصبيها، لوقف المتاجرة بها، و “لَمّ الشعبية على ظهرها”، فما علاقة التيار الوطني الحرّ بمناسبة 13 تشرين؟ في 13 تشرين، سقط رهان العماد ميشال عون على أنه سيكون رئيسًا للجمهورية بالقوّة، واستخدم الجيش اللبناني لكي يبقى في قصر بعبدا، لا ليحرّر، ولو كان فعلًا يريد التحرير، لماذا انتظر من 23 أيلول 1988، تاريخ دخوله إلى القصر، حتى 14 آذار 1989، ليبدأ بالتحرير؟ لماذا انتظر ستة أشهر؟ وبعد معركة سوق الغرب في آب 1989، لماذا قبِل بوقف إطلاق النار، بعدما دمَّر الجيش؟

ربّما كان على العماد عون أن يقول آنذاك: “لو كنت أعلم”!

لكنه إلى اليوم، لم يتعِظ.

13 تشرين صمد العسكر وخذلهم القائد .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...