خلال المرحلة المستقطعة عن تطورات حربية محتملة، سيكون سقف “الميكانيزم” هو الفاصل في العمل على تنفيذ اتفاق وقف النار، علماً أن اللجنة التي يتمثل فيها الجميع لا تتمكن بصيغتها الحالية من توفير مستوى معين من التفاوض. لكن لبنان لن يستطيع الاستمرار في رفض أي شكل من التفاوض، على الرغم من أن اقتراحات عدة طرحت بشأن التفاوض المباشر على مستوى عسكري، وعليه، تجنباً لمزيد من الضغوط أن يعلن موقفه، حتى وإن كانت إسرائيل لم تحدد موقفاً رداً على التفاوض مع لبنان، فتستمر في تصعيد عملياتها العسكرية ضد “حزب الله”.
التصعيد الإسرائيلي يدل على أن تل أبيب ترفع شروطها حول التفاوض وتبعث رسائل بالنار أنها ترفض الدخول في أي مفاوضات كالسابق، تماماً كما ترفض العودة بعد حربها التي استمرت 66 يوماً إلى قواعد الاشتباك السابقة أو الوضع الذي كان سائداً على الحدود قبل حرب الإسناد، وهذه السياسة يوافق عليها الأميركيون انطلاقاً من اعتبارهم أن الأمن الإسرائيلي أولوية، ولذا جاء كلام توم برّاك الأخير ليحدد مساراً على لبنان سلوكه كطريق للحل، ويبدأ بـ”نزع” سلاح “حزب الله”، ثم الذهاب إلى التفاوض المباشر بتمثيل سياسي مع إسرائيل للاتفاق على تفاهمات أمنية وفق موازين القوى الحالية.
لا شيء ينبئ حالياً بأن طريق التفاوض سالكة. فلبنان ليس مدرجاً في الحراك الدولي والإقليمي المرتبط بتطبيق الاتفاق في غزة ومستقبلها، بقدر ارتباطه بالملف الإيراني الذي يشكل “حزب الله” عنوانه لبنانياً كذراع تحاول طهران إعادة تنشيطه وتوظيفه في المفاوضات مع الولايات المتحدة، وذلك على الرغم من أنه لم يعد يمتلك القوة في المواجهة. بيد أن التوظيف له سمات عدة وهو يترجم برفض “حزب الله” القاطع حصر السلاح بيد الدولة، والذي يؤكده يومياً مسؤولو الحزب، إضافة إلى إعلانه أنه يعيد بناء قدراته العسكرية، وأنه بات قادراً على القتال، في الوقت الذي يضغط فيه على الدولة ويحملها المسؤولية. وهذا الأمر يمنح الاحتلال مجدداً ذرائع لممارسة ضغوط عسكرية على لبنان ويحضّر الأرضية لتوسيعها من خلال تصريحات لقادة الاحتلال وتقارير تتحدث عن أن “حزب الله” يعيد بناء قدراته العسكرية، وشكاوى تزعم أن الحزب يخرق الاتفاق، وتهدد بشن حروب لنزع السلاح بالقوة.
وعلى الرغم من الضغط الأميركي، إلا أن ذلك لا يترافق مع حركة كثيفة للموفدين الأميركيين تجاه لبنان، فما أشيع عن زيارة لبرّاك إلى لبنان أمر غير محسوم، فيما تتحضر الموفدة مورغان أورتاغوس لحضور اجتماع لجنة الإشراف، إذ أن زيارتها إلى إسرائيل ليست وفق مصادر ديبلوماسية لدفع التفاوض. وإلى أن يتسلم السفير الجديد ميشال عيسى مهماته في لبنان، فإن الأمور ستبقى تدور في حلقة مفرغة مع توسّع الحرب الإسرائيلية واتخاذها أشكالاً متعددة ضد “حزب الله” قد تصيب البلاد مباشرة وتعطل خطط الحكومة. أما إذا حدث خرق ما في ملف التفاوض، وتمكن الرؤساء الثلاثة من الاتفاق على صيغة وسطية بين التفاوض المباشر وغير المباشر، فحتى لو تم السير بها رسمياً، فإنه لا يمكن تطبيقها من دون موافقة “حزب الله” الذي ينتظر ما ستؤول إليه المفاوضات الإيرانية- الأميركية التي تدور عبر قنوات خلفية بين عُمان وسويسرا، وموقف طهران الذي يرفض سحب سلاح “حزب الله” وتعتبره أنه قوة للردع.
في الفترة الفاصلة عن انتهاء المهلة الاميركية آخر السنة لسحب السلاح من جنوب الليطاني، يبقى لبنان في دائرة الحصار والتصعيد، فيما كل الأجواء السياسية الدولية تشير إلى أن البلد سيكون أمام سيناريو تصعيد إسرائيلي مفتوح، لا يلجمه الأميركيون الذين يلوحون بالعقوبات، ما يعني ترك لبنان لمصيره ومنع حصوله على المساعدات، فيما “حزب الله” غير القادر على الرد، والمحتفل بالانتصارات يواصل خنق الدولة ولا يكترث لما تواجهه البلاد من أخطار؟
واشنطن تدفع للتفاوض ولبنان يتمسّك بـ”الميكانيزم” .



