ليل الأربعاء-الخميس، توغلت قوة إسرائيلية نحو ألف متر داخل الأراضي اللبنانية، وهاجمت مبنى بلدية بليدا، حيث قتلت موظفاً كان ينام في مركز عمله.
قبل ساعات من هذا التطور، كانت لجنة متابعة تنفيذ تفاهم وقف العمليات العدائية بين لبنان وإسرائيل، تعقد اجتماعاً لها بحضور المستشارة الرئاسية الأميركية مورغان أورتاغوس، حيث تناول البحث موضوعين، أولهما شكاوى لبنان من الهجومات الإسرائيلية المتلاحقة، وشكاوى إسرائيل من سماح لبنان لـ”حزب الله” بإعادة تسليح نفسه بدل أن يفي بتعهداته لجهة نزع هذا السلاح في كل لبنان.
التوغل الإسرائيلي في بليدا، أثار غضب السلطات اللبنانية، ففيما تضغط الولايات المتحدة الأميركية على لبنان من أجل نزع سلاح الحزب والموافقة على محادثات مباشرة مع إسرائيل، تتعاطى الحكومة الإسرائيلية مع لبنان كما لو أنّه أصبح ضفة غربية جديدة، بحيث تتوغل فيها عندما تشاء وتقتل فيها من تشاء وتقصف فيها ما تشاء.
وهذا السلوك الإسرائيلي تجاه لبنان، والذي لا تجد واشنطن ما يبرر ردعه، يضعف السلطة اللبنانية في مهمة حصر السلاح، لأنّ “حزب الله” يجد فيه ما يكفي من مبررات للتمسك بسلاحه، رافعاً في هذا السياق لواءين لهما جمهورهما: عجز الدولة وتواطؤ المجتمع الدولي.
تأسيساً على كل ذلك، بادر رئيس الجمهورية العماد جوزف عون إلى تكليف قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل بوجوب التصدي للتوغلات الإسرائيلية.
تعددت القراءات لقرار رئيس الجمهورية الذي يبقى في العلم العسكري مجرد قرار إعلاني، لأنّ من مهام الجيش، لو كان يملك المعلومات والقدرات، منع العدو من التوغل ضمن الأراضي المسؤول عنها.
وتجمع غالبية القراءات على أنّ خطوة الرئيس عون في مكانها، لأنّها في حساب الربح والخسارة، تصب لمصلحة الدولة التي عليها أن تثبت حضورها أمام شعبها، حتى تستطيع التقدم خطوات حقيقية نحو تنفيذ ما تعهدت به، لجهة احتكار قرار الحرب والسلم كما لجهة حصر السلاح بالقوى الشرعية.
هذه خطوة، في حال تعاملت معها واشنطن، وفق مقتضياتها، ليست مغامرة متفلتة من الضوابط، إذ إنّ موضوع التكليف الذي أصدره عون محصور ببند واحد، وهو التصدي للتوغلات الإسرائيلية، وهو لا يشمل سائر ما تقدم عليه إسرائيل، بواسطة سلاح الجو التابع لها، لجهة القصف والاستهدافات.
والتوغل البري خطر جداً بالنسبة إلى لبنان، لأنه يسمح لإسرائيل بفرض قواعد عسكرية جديدة ستكون لها انعكاسات خطرة على الدولة، فلبنان يستحيل أن يبقى أرضاً مفتوحة، وسلطته يستحيل أن تقبل أن تكون نسخة محدثة عن السلطة الفلسطينية.
ومن شأن خطوة عون هذه، حتى لو كانت إسرائيل تستعد لحرب جديدة، أن تنشّط الوساطات الدولية، بطريقة مختلفة، بحيث يتم أخذ ما تطلبه سلطاته بعين الاعتبار، اذ إنّ الوقوف الأميركي الدائم إلى جانب إسرائيل، خصوصاً مع تكليف المستشارة الرئاسية الأميركية مورغان أورتاغوس، متابعة أعمال “المياكانيزم”، سوف يضعفه في وجه إسرائيل هنا وفي وجه “حزب الله” هناك، وربما في وجه السلطة السورية الجديدة، هنالك.
ولكنّ خطوة عون التي تزامنت مع إسقاط اليونيفيل مسيّرة إسرائيلية كانت تواكب تحركات قوة فيها، حتى تحقق أهدافها، لا بد من أن تواكبها خطوات إيجابية من “حزب الله”، بحيث يعطي الدولة ما يعينها على طاولة البحث مع القوى المحلية والإقليمية والدولية، إذ إنّ مشكلة لبنان التي تتذرع بها إسرائيل، تتمحور حول نقطة واحدة: عجز الدولة اللبنانية عن تنفيذ تعهداتها.
ويفترض رئيس الجمهورية اللبنانية أنّ “حزب الله” قد يتصرّف بعقلانية أفضل من المرحلة السابقة، فهو يدرك أنّ تمسكه بسلاحه قد يجر حرباً عنيفة عليه، تهدف إلى توسيع المنطقة المحظورة، من جهة وتقضي ليس على سلاحه الثقيل والمتوسط فقط، بل على قدراته الميدانية التي تعينه على الحد الأدنى من تلبية حاجات بيئته الحاضنة، أيضاً.
وفي هذه الحالة، لن يكون لتكليف عون أي معنى عملي، لأنّ الجيش اللبناني، وإن كان قادراً على تحمّل كلفة مواجهة مع مجموعة من الجيش الإسرائيلي، يقف عاجزاً أمام التفوق الحاسم للآلة العسكرية الإسرائيلية، إن هي، بضوء أخضر أميركي، شنّت عملية واسعة النطاق ضد حزب مطلوب منها، بكل لغات الأرض، أن يتخلّى عن جناحه العسكري!
هل يقع تكليف الرئيس اللبناني للجيش بالتصدي لإسرائيل في مكانه الصحيح؟ .




