يطالب “الحزب” الدولة اللبنانية بأن تتصدى، بكل الوسائل المتاحة، للضربات الإسرائيلية المتمادية ضده، في الجنوب والبقاع، وللتلوّث السمعي والسيادي الذي تمارسه المسيّرات الإسرائيلية التي تراقب كلّ تحرك في بيروت وضواحيها. وهذا طلب مشروع!
ولكنّ الحزب في النهج الذي يعتمده لا يراعي واقع الدولة اللبنانية والمتغيّرات الاستراتيجية في الإقليم، ولا النظرة الإقليمية والدولية إلى المنطقة التي يشكّل فيها “الحزب” امتداداً للجمهورية الإسلامية في إيران، الواقعة هي الأخرى في ورطة التهديد بتجديد الحرب عليها، إن لم تمتثل لدفتر الشروط المعروض عليها!
والدولة اللبنانية، التي أخذت على عاتقها معالجة الكوارث التي أنتجتها تداعيات انخراط الحزب، رغماً عن إرادتها وإرادة الأغلبية من اللبنانيين، في “حرب الإسناد”، وضعت خريطة طريق واضحة في محاولة منها لوقف الاعتداءات الإسرائيلية وتحرير الأرض والأسرى وإعادة الإعمار، فيما الحزب، الذي يستعجل تحقيق كل ذلك، لا يتردد في التصدي، بالقوة والتهديد، لكل ما تطرحه هذه الدولة من حلول، على ضوء الرسائل الواضحة التي وصلت إلى كبار المسؤولين، حول وجوب حصر السلاح بالقوى الشرعية، ووضع خطة لإعادة إعمار تمنع الحزب من أن يكون مستفيداً بأيّ وجه من الأوجه من هذه العملية التي تعني شؤون اللبنانيين وشجونهم!
ويدرك الحزب قبل غيره أنّ الدولة اللبنانية لن تستطيع، من دون التناغم مع مضمون الرسائل التي وصلتها، تحقيق أي تقدم، بل العكس هو الصحيح، إذ إنّ إظهار عجزها سوف يوسع دائرة الكارثة، وقد يتسبب بشنّ إسرائيل حرباً جديدة، تحت عنوان “محو الحزب من الوجود”، وفق القاعدة نفسها التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتعامل مع “حركة ح” إن هي رفضت مواصلة السير بالخطة التي وضعها لإنهاء الحرب في قطاع غزة.
حيال ذلك، كيف يعقل أن تحقق الدولة اللبنانية مطالب “الحزب” الذي يتهمها، حيناً، بالتقصير وحيناً آخر بالتواطؤ عليه؟
يذهب البعض إلى الاعتقاد بأنّ الحزب يريد من الحكومة أن تعلن رسمياً تخلّيها عن التزاماتها في تفاهم وقف العمليات العدائية بين لبنان وإسرائيل، وتالياً، إضفاء الغطاء الشرعي عليه بمّا يمكنه من أن يعود، باسم جميع اللبنانيين، إلى المواجهة العسكرية!
ولكنّ البعض الآخر يعرف أنّ الحزب يوحي بذلك، ولكنّه يشدّ على يد الحكومة حتى لا تقدم على خطوة مماثلة أبداً، لأنه لا يملك أدوات المواجهة، بعدما انكشف الأغلب من مصانعه ومخازنه ومواقعه، وتضرّرت ترسانته بشكل كبير، وانكشف مقاتلوه الذين يجري استهدافهم الواحد تلو الآخر، واختبأت قياداته الجديدة في أماكن سرية للغاية، الأمر الذي يعقد القدرة على التواصل الميداني.
وتدرك الدولة اللبنانية أنّها إن أقدمت على أيّ تصعيد ديبلوماسي أو ميداني، فهي تعرّض البلاد والعباد للخطر، من دون أن تكون لديها القدرات الكافية لفرض أيّ معادلة جديدة لا على إسرائيل ولا على المجتمع الدولي، بل سوف تزداد أمورها تعقيداً!
في الواقع، يريد “الحزب” من تحميل الدولة المسؤولية، رفع أعباء الكوارث المتلاحقة عن بيئته، سكاناً وإسكاناً، عن كاهله، بعدما تبيّن أنّه، ومن أجل سلاحه وجناحه العسكري، مستعد لأن يضحّي بالناس والجنوب والبقاع وبكل لبنان أيضاً!
حتى تاريخه، يستفيد “الحزب” من إرباك الدولة في التعاطي معه، فهي لا تكتفي بغض النظر عمّا يطلقه من موقف تحمّلها المسوولية، بل تخشى من أن تصارح اللبنانيين عموماً، والشيعة منهم خصوصاً، بالحقائق التي يطمسها الحزب، وبالكوارث التي نتجت وقد تنتج عن تصدّيه للخطة الإنقاذية الوحيدة، وهي نزع السلاح ووضع خطة محايدة لإعادة الإعمار والانطلاق في مفاوضات حقيقية مع إسرائيل برعاية أميركية-فرنسية-أممية، من شأنها تزخيم عمل لجنة تنفيذ اتفاق وقف العمليات العدائية، بمستوى سياسي قادر على إيجاد آلية متكاملة لتنفيذ القرار 1701.
ليس المهم أن يطلب الحزب من الدولة أن تفعل ما عليها فعله، بل أن يركن جانباً لتمكينها من أن تصلح ما أفسده هو!
هل يريد “الحزب” أن ينتحر اللبنانيون فداءً لجناحه العسكري؟ .







