لمناسبة مرور ٤٢ عاماً على الانفجار الذي أودى بحياة ٢٤١ عنصراً من مشاة البحرية والبحارة والجنود و58 عسكريا فرنسيا وستة مدنيين لبنانيين في ٢٣ تشرين الثاني ١٩٨٣، استعاد الموفد الأميركي توم براك هذه الذكرى التي حلت أول من أمس، ليغرّد على منصة “إكس” مذكراً بالانفجار، بقوله: “انتحاري دمر ثكنات مشاة البحرية في بيروت – وهي واحدة من أكثر الهجمات دموية على الأميركيين في الخارج. نكرم ذكراهم بتذكر الدرس: يجب على لبنان حل انقساماته واستعادة سيادته. لا تستطيع أميركا – ويجب ألا تكرر – أخطاء ذلك
الماضي”.
تحمل تغريدة براك العاطفية أكثر من مجرد استذكار للذين سقطوا في ذلك التفجير، وهي للمفارقة تأتي في سياق سلسلة مواقف حادة جداً للديبلوماسي الأميركي بلغت حد التهديد المباشر للسلطات اللبنانية حيال تنفيذ التزاماتها في ملف حصر السلاح ووضعه في عهدة الجيش، مقرونة بدعوته بلاده إلى “دعم بيروت للانفصال سريعاً عن ميليشيا “حزب الله” المدعومة من إيران، وتحقيق التوافق مع إيقاع مكافحة الإرهاب في منطقتها، قبل أن تستنزفها موجة جديدة من عدم التسامح مطلقاً مع المنظمات الإرهابية”. فإلى البعد العاطفي في التغريدة، دعوة واضحة للولايات المتحدة إلى أخذ العبرة من تلك الذكرى وعدم تكرار أخطاء الماضي، وفق تعبيره، على نحو بدا من كلامه أن بلاده تعيد تكرار الأخطاء عينها بالانخراط في الوضع اللبناني، والانزلاق إلى ما يمكن أن يرتبه هذا الأمر على سلامة الأميركيين أو المنشآت والمصالح الأميركية.
في كلام براك تناقض مع ما سبق أن أعلنه بدعوته بلاده إلى دعم لبنان، ما يستدعي التوقف عند خلفيات الموقفين وأبعادهما.
لا تخرج مواقف براك الأخيرة عن السياق الذي يعتمده في توجيه رسائله وتحذيراته إلى السلطات اللبنانية، وقد بدا واضحا أنه ينقل موقف إدارته ولم يتم استبعاده عن الملف اللبناني، انطلاقاً من الالتصاق الوثيق بين ملفي لبنان وسوريا، وهو ممسك بالملف السوري أيضاً. ولا يزال يشدد على مخاطر “الجناح العسكري” للحزب الذي سيضع البلاد في “مواجهة حتمية كبرى” مع إسرائيل في لحظة قوتها، وفي أضعف نقاط طهران، علماً أن الكلام على الجناح العسكري لا يغفل الجناح السياسي الذي أشار فيه براك إلى أن الحزب سيكون أمام عزلة محتملة مع اقتراب انتخابات ٢٠٢٦.
إذا، أيّ نصيحة ستسير بها واشنطن؟ دعم لبنان للتخلص من الحزب أو عدم تكرار ذكرى تشرين الثاني ١٩٨٣؟
القريبون من السفير الأميركي لدى تركيا لا يرون تناقضاً بين الموقفين، أو دعوة إلى التراجع أو عدم الانخراط في الملف اللبناني، بل على العكس، يرون أن براك يحض بلاده على تقديم الدعم للبنان مقروناً بدعوة ملحة للسلطات اللبنانية لاستعادة زمام الأمور وعدم تركها للخارج ليحسم. وهذا الموقف ليس جديداً لدى براك الذي كان توصل إلى إنجاز ورقة أميركية سار بها لبنان وأجهضتها إسرائيل، بالرغم من أنه كان أبلغ رئيس المجلس نبيه بري عند إتمام الاتفاق أنه سيتوجه إلى تل أبيب لانتزاع موافقة إسرائيل على الورقة، والكل يذكر أنه في ذلك النهار خرج من عين التينة مسروراً لما تم إنجازه. ولا يستبعد القريبون منه أن تكون رسائله في هذه المرحلة تحذيرية تلافياً للمواجهة الأكبر التي يراها آتية ويخشى عواقبها!
هل يخشى براك على بلاده الانخراط أكثر في لبنان؟ .




