هل «انحنى الحزب» أمام «عاصفة» صخرة الروشة؟

عَكَسَ «حَبْسُ الأنفاس» الذي ساد بيروت عشية «خميس الروشة» الذي حام فوقَه مناخُ «تَطاحُنٍ» بين رئيس الحكومة نواف سلام و«حزب الله» الذي كان يصرّ على إضاءةِ الصخرة بصورتيْ أمينيه العامين اللذين اغتالتْهما اسرائيل السيد حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، ما يشبه «الانفصالَ» اللبناني عن الواقع الشديد السواد الذي يحوط به في ظلّ مؤشراتٍ مُقْلِقَة جداً بإزاء نياتٍ اسرائيلية باستنئاف حربٍ مع الحزب يَخشى كثيرون أن السؤال حيالها لم يَعُد هل تقع بل… متى؟

وعلى أهميةِ الأبعاد التي اكتسبتْها «المعركة» التي قَرَعَ طبولَها «حزب الله» لإنارة صخرة الروشة بصورتيْ نصرالله وصفي الدين في افتتاح فاعليات ذكرى اغتيالهما، وتصدّى لها سلام بتعميم يقطع الطريق على «تشريعِ» الأمر، لـ «يتحدّى» الحزب القرار قبل بروز معطيات عن إمكان أن يتراجع بناء على تسوية برعاية الرئيس نبيه بري وتقوم على منْح إذنٍ لحصول الفاعلية ولكن من دون الإضاءة، فإنّ أوساطاً مطلعة استغربتْ «جذْب» الواقع اللبناني إلى «قطوعٍ صخري» استدعى ما يشبه «الاستنفارَ» السياسي لِتَجاوُزه في الوقت الذي تتراكم الإشاراتُ إلى أن تل أبيب «تَبْني» مقدّمات حربٍ قد تتجدّد تحت عنوان «إكمال المهمة» التي لم تنته في «جولة الـ 65 يوماً» بين 23 سبتمبر و27 نوفمبر 2024.

ورأت الأوساطُ أن الحزب نَجَحَ في الأيام الأخيرة بـ «تحوير الاهتمام» عن مسألةِ سلاحه ورفْضه «تسليح» لبنان الرسمي بما قد يحشر اسرائيل ويردع مخططاتها العدوانية بمجرّد أن يعلن «وَعْداً» بتفكيك ترسانته فور التزام تل ابيب بمندرجات اتفاق وقف النار وورقة الموفد الأميركي توماس براك «الملبنَنة» وأن هذه الترسانة باتت«من الآن» تحت «وصاية الدولة» انتقالياً، بعدما انحرفتْ الأنظارُ إلى «حرب الصخرة» التي سادت عصر أمس أجواء عن تعطيل صاعِقها بـ «حلّ وسطي» تحافظ معه الدولة على «الأيقونة البحرية» بعيداً من تحويلها «شاشة حزبية» ويَحفظ معه الحزب خطّ رجعةٍ من جَعْلِ المناسبةِ تنزلق إلى تَظهير مدى توغّل وضعيته في نفق انقسامي وإشكالي لم يعد يوفر نصر الله نفسه في ذكرى اغتياله.

وفي حين أشارتْ معلومات إلى أن مَخْرَجَ مَنْحِ إذنٍ للاحتفال قبالة الصخرة من محافظ بيروت «شرط الالتزام بعدم قطع الطريق وعدم عرقلة السير والحفاظ على الممتلكات العامة وعدم انارة صخرة وعدم بث صور ضوئية عليها»، ومع تحديد سقف المشاركة بـ 500 شخص، تم صوغه بمواكبةٍ من بري، فإن رصْداً استمرّ حتى أولى ساعات المساء لمدى سير الحزب بهذا المخرج وتالياً لكيفية إظهار صورة نصرالله وصفي الدين «ضوئياً» بحيث لا يبدو منكسراً أمام الصخرة، وسط تقارير عن أنه قد يلجأ، وبعدما اصطدم بتشدُّد رسمي على طريقة «نجوم السما أقرب له» (كما قال خصوم له)، إلى السماء حيث يمكن أن تَرسم ريشةُ الأضواء (باللايزر أو غيره) صورتي الأمينين العامين السابقين.

صعوبات إيرانية

وفي وقت اعتبرت أوساط معارضة للحزب أنه كان في غنى عن جَعْلَ المَعلمَ السياحي الأشهر في لبنان «علامةَ نزاعٍ» سياسي وتحويل «حاملة مفاتيح التاريخ البيروتي» و«حارسة العاصمة» عنواناً مدججاً بحمولة صِدامية في إطار محاولة إدخال طلائع «تعديل جيني» على ذاكرة بيروت الجَماعية وزرْع رمزياتٍ جديدة فيها، فإنّ مَصادر واسعة الاطلاع استوقفها أنه من خلف غبار «مكاسرة الصورتين» وعلى وهج التهديدات الاسرائيلية بما يَشي بأنها «مسألة وقت» قبل معاودة الضغط على زرّ الحرب مع الحزب، أطلّ رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف ليمنح تل أبيب المزيد مما تَعتبره «أسباباً موجبة» لفتْح «بوابات جهنّم» مجدداً على لبنان وتتمحور حول أن الحزبَ يعيد بناء ترسانته.

وفيما كانت «مضبطة الاتهام» الاسرائيلية التراكمية تَكتسب ما يشبه «الغطاء» بتصريحات توماس براك الصادمة عن «حزب الله» الذي «يتعين للتخلص منه وقطع التمويل عنه خنْق إيران وقطع رؤوس الأفاعي أعداءنا (سمى إيران والحزب)»، آخذاً على الحكومة اللبنانية اكتفاءها «بالكلام» في ما خصّ سحب سلاحه، خرج قاليباف في مقابلةٍ بُثت على الانترنت ونقلت مضمونها «وكالة تسنيم للأنباء»«لينفي وجود طريق «مسدود بالمطلق» لإيصال الأسلحة للحزب، لافتاً إلى وجود«صعوبات».

وأكّد أن«حزب الله» حيّ واليوم أكثر حيوية من أي وقت، لكن هذا «لا يعني عدم وجود تحديات»، معتبراً أنّ «استمرار وجود ممثّلين أميركيّين في لبنان ومحاولاتهم تجريد الحزب من السّلاح، دليل على أنّه لو كان الحزب مهزوماً لَما سعى العدو لهذه الخطوات»، مضيفاً أنّ «حزب الله اليوم أقوى وأثبت تماسكاً على المستويات المادّيّة والمعنويّة والإيمانيّة والقدرات العملياتيّة. والكيان الصّهيوني رغم كلّ قوّته الجوّيّة والمسيّرة والقوّات البرّيّة، شنّ هجمات بعد اغتيال نصرالله، لكنّه لم يتمكّن من تحقيق تقدّم ميداني».

وركّز على «لزوم المواجهة القاطعة مع الكيان الصّهيوني، فإظهار الرّحمة له يعني ظلماً للبشريّة»، وقال إنه لو كان مكان «حزب الله» «لقاتل حتى عمق 100 إلى 200 كيلومتر ضدّ هذا الكيان»، موضحاً أنّ «دعم إيران لفصائل المقاومة يأتي في إطار حماية الأمن القومي، ومنع تمدّد الكيان الصّهيوني حتى حدود إيران»، وشرح أنّ «مساندة إيران لحركات المقاومة مثل«حماس»و«الجهاد الإسلامي» و«حزب الله»، تمثّل دفاعاً عن الأمن القومي والمصالح الوطنيّة». وبيّن أنّه بعد عمليّة «الوعد الصادق 3»، يدرك العدو أنّه إذا لم نثبت أقدامنا في الجولان، فسيتقدّم حتى جلولا في كردستان العراق، على بُعد 30 كيلومتراً فقط من حدود إيران».

وعن خلفيات زيارته للبنان عقب اغتيال نصرالله وجريمة «البيجر»، قال قاليباف إنه اعتبر أن حضوره إلى لبنان ضروري قبل سفره إلى طاجيكستان، وإن قراره كان شخصياً بعد مشاورات وموافقة السيد علي الخامنئي، الذي أكد ضرورة مراعاة الاعتبارات الأمنية. وأضاف أنّه سافر إلى جنوب لبنان وهو بين ألسنة النار والدخان حيث التقى المقاتلين في الخطوط الأمامية، واطّلع على التقارير الميدانية، وقدّم المشورة بشأن التطورات الأخيرة.

تنفيذ قرار َسحْبِ سلاح

في المقابل، كان لبنان الرسمي يَمْضي في محاولة حشد الدعم لجيشه الذي يتحضّر في 5 اكتوبر لوضع التقرير الشهري الأول عن مآل المرحلة الأولى من خطته التطبيقية لقرار َسحْبِ سلاح «حزب الله» (مسرحها جنوب الليطاني حتى نهاية أكتوبر) والضغط على اسرائيل لوقف الاعتداءات اليومية ولانسحاب من النقاط التي تحتلها جنوباً وإطلاق الأسرى وذلك لتسهيل مهمة استكمال المراحل اللاحقة من خطة الجيش اللبناني، رغم أن تل أبيب أعطتْ إشارات «بالنار» إلى أنها غير معنية بها ولا بـ «سرعتها الممرحلة».

ومن هنا تبدو بيروت في سِباق بين مساعيها الدبلوماسية وبين المخاوف المتعاظمة من أن تكون اسرائيل تجاوزت اتفاق 27 نوفمبر والقرار 1701 وباتت تقارب جبهة لبنان وخصوصاً أي موجةٍ حربية عاتية جديدة بأفقٍ سياسي سيكون محكوماً هذه المرة بالاتفاق الأمني المرتقب مع سورية وما سيشكّله من «كوريدور» يصعب فصل «بلاد الأرز» عنه ويَمنح تل أبيب أيضاً «أفضليات عسكرية» كبرى لم تكن موجودة في حرب الـ 65 يوماً ولا سيما تجاه البقاع الغربي اللبناني.

إنقاذ لبنان – النموذج

وفي الإطار، كانت لقاءات الرئيس جوزاف عون في نيويورك، وأيضاً كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أعلن ان المطلوب لإنقاذ لبنان – النموذج «موقفٌ واضحٌ داعمٌ عملياً وميدانياً، لتحريرِ أرضه، ولفرضِ سيادةِ دولتِه وحدَها فوقها، بقواه الشرعية حصراً ودون سواها، وهذا ما أجمعَ عليه اللبنانيون، منذ إعلانِ 27 نوفمبر 2024، والذي أُقرَّ برعايةٍ مشكورة من الولاياتِ المتحدة وفرنسا وهذه المنظمة بالذات، كآليةٍ تنفيذيةٍ لتطبيقِ القرارِ 1701. وهو ما أكدنا عليه، في خطابِ قسمي الدستوري عند انتخابي رئيساً ثم في البيانِ الوزاري للحكومة اللبنانية. وصولاً إلى مفاوضاتِنا مع موفدِ الرئيسِ الأميركي دونالد ترامب، السفير طوم باراك، والتي انتهت إلى وضعِ ورقةٍ لضمانِ الاستقرارِ الكاملِ على أرضِنا. ما زلنا نلتزمُ بأهدافِها، ونأمل أن يلتزمَ المعنيون بها، على حدودِنا. هذا كلُ ما يطلبُه لبنان».

وحدد 3 أعباء يواجهها لبنان: «استمرارُ وضعٍ غيرِ مستقر على حدودِنا الجنوبية. حيث نطلبُ وقفَ الاعتداءاتِ الاسرائيلية فوراً وانسحابَ الاحتلالِ من كاملِ أرضِنا، وإطلاقَ أسرانا، وتطبيقَ القرار 1701 كاملاً (…)»، و«حالةُ نزوحٍ على أرضِه هي الأكبرُ في التاريخ، نسبةً إلى عددِ السكان. ورهانُنا هنا، على شراكتِنا مع الأممِ المتحدة ووكالاتِها المختصة، وعلى الإخوة في سوريا في مفاوضاتِنا معهم، مباشرةً، كما برعايةٍ مشكورةٍ من المملكة العربية السعودية، للتوصّل إلى اتفاقاتٍ وتفاهماتٍ في مختلفِ مجالاتِ علاقاتِنا الثنائية، تؤدي إلى استعادةِ سوريا لمواطنيها أَعزاءَ آمنين، واستعادةِ لبنانَ وسورية لعلاقاتٍ مميزة وحُسنِ جوارٍ وتعاونٍ متكاملٍ في شتى المجالات بما يتخطى التباساتِ كلِ الماضي ويمحوها».

وأضاف: «يبقى عبءٌ ثالث، هو إعادةُ إعمار ما هدّمه العدوانُ الاسرائيلي على لبنان (…) إضافةً إلى توفيرِ المقدرات اللازمة لقواتِنا المسلحة الشرعية، للقيامِ بمهامِها في الدفاعِ الحصري عن أرضنا. وهو ما نعوّلُ لتأمينِه، على المبادراتِ والتعهداتِ المعلنة، لتنظيمِ مؤتمراتٍ دولية مخصصة لذلك».

وختم: «لبنانَ لا يطلبُ امتيازاً. بل مسؤولية دولية عادلة منصفة، تُعيدُه إلى رسالتِه، مستقَراً للحريةِ والتعددية معاً (…) فيما بعضُ أهلي يُقتلون. وبعضُ أرضي يُدمَّر. فالصراعُ ما زال شرساً بين أن يكونَ لبنانُ أرضَ حياةٍ وفرحٍ، ومنصةً لهما إلى منطقتِه والعالم. وبين أن يكونَ بؤرةَ موتٍ ومستنقعَ حروب، ومنطلقاً لتفشيهما في كل جوارِه. نحن حسمنا قرارَنا، وسنجسدُ الخيارَ الأول وننفذُه. ندائي لكم: من أجلِ السلامِ في منطقتِنا، من أجلِ خيرِ الإنسان، كونوا معنا، لا تتركوا لبنان».

وخلال لقائه وزير خارجيّة المانيا يوهان فاديفول على أنّ «اللّجوء إلى القوّة – وهو أمر غير وارد في أي حال – لتنفيذ حصريّة السّلاح لا يمكن أن يحصل في الوقت الرّاهن»، لافتاً إلى «أنّه حريص على المحافظة على وحدة اللّبنانيّين وعدم حصول ما يؤذي هذه الوحدة».

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...