إنّ الصناعة اللبنانية، التي تُعتبَر ركناً أساسياً في اقتصادنا المحلي، صناعة تحويلية، أو صناعة ثقيلة؟ وما قدرتنا على التنافس الإقليمي والدولي في ظلّ التحدّيات الحالية؟
إنّ الصناعة اللبنانية ركن أساس في الاقتصاد اللبناني، للإنماء الإقتصادي، وتلعب دوراً مهمّاً ليس فقط في التوظيف والإستثمارات، لا بل لتصدير معرفتنا وسلعنا ونجاحاتنا حول العالم. فقد صمدت صناعتنا عبر العقود على رغم من الحروب والتدمير وحتى الحصار، وها هيَ من جديد تحاول إعادة بناء الثقة والإستثمار والإنماء.
لكن إذا نظرنا إلى صناعتنا الوطنية بالمجهر نستطيع أن نرى بوضوح أنّ صناعتنا هي صناعة تجارية وتحويلية خفيفة مقارنةً بالصناعات الثقيلة، مثل التي نراها في مصر، تركيا والصين. فالصناعة اللبنانية، هي صناعة تحويلية مع قيمة مضافة، يُزاد إليها الذَوق، الجودة، الإبداع والأفكار الخلّاقة التي يتميّز بها الريادي اللبناني.
علينا أن ننظر إلى الصناعة اللبنانية، كمختبر إقتصادي، ومحطة إبتكارية، إذ تولّد الأفكار ومن ثم نحوّلها إلى مشروع تجريبي في السوق، قبل أن تتحوّل إلى صناعة ثقيلة، بالتعاقد مع بلدان وصناعات ضخمة. لذا إنّ صناعتنا المحلية، صناعة تجارية مع قيمة مضافة.
إنّ الصناعة التحويلية لديها نقاط ضعف لأنّها تخضع لكل التحوّلات الإقتصادية في العالم، بمعنى آخر تخضع لكل الضغوط للإستيراد والتصدير، لأنّ معظم المواد الأولية التي تحتاجها، مستَوردة من الخارج، فتخضع أيضاً لأسعار النقل والتأمين وخصوصاً تخضع للتضخُّم الدولي، إذ إنّ كلفتها الإنتاجية ترتبط مباشرة بالأسعار الدولية.
إنّه من المستحيلات أن يكون لدينا صناعة ثقيلة في لبنان جرّاء كلفة الطاقة، التمويل ونقص في المواد الأولية الداخلية، مقارنةً بالبلدان الصناعية الثقيلة وخصوصاً المنتجة للغاز والنفط التي تدعم صناعتها، أكانت بمناطق صناعية أو بالتمويل بفائدة ضئيلة أو بإعفاءات جمركية وضريبية وغيرها.
أمّا بالنسبة إلى كلفة الإستيراد والتصدير، فهي ترتبط مباشرة بأسعار النفط والنقل، لكن أيضاً بالتجاذبات الجيوسياسية وإقفال المعابر الحيَوية وارتفاع كلفة التأمين مع ارتفاع المخاطر الحربية وغيرها.
إنّ الصناعة اللبنانية التي نفخر بها، لا تستطيع أن تنافس الصناعات الدولية إلّا بجودتها ورفاهيتها وذَوقها، لذا تتركّز على المأكولات وسائر المنتجات الزراعية (Agrifood) والأدوية، وخصوصاً المجوهرات.
إنّ صناعتنا المحلية التحويلية والخفيفة مبنية على مصانع صغيرة ومتوسطة، بنسب عالية، عوضاً عن صناعات ثقيلة بكلفة تشغيلية باهظة، وتمويل مفقود تخضع إلى المخاطر الإقليمية والتضخُّم الدولي.
في المحصّلة، إنّ الصناعة اللبنانية هي صناعة تحويلية وليست صناعة ثقيلة، فالأولوية لإعادة دعمها، وخصوصاً في التمويل، للتطوّر والتميّز لأنّه أصبح من المستحيلات للصناعيِّين اللبنانيِّين ليس فقط تجديد ماكيناتهم، بل أيضاً صيانتها بعد 5 سنوات من أزمة مالية ومصرفية مرهقة.
إنّ الصناعة اللبنانية المبنية على الصناعة الصغيرة والمتوسطة هي التي تبني الإنماء والتوظيف وهي تلين اليوم، لذا علينا جميعاً دعمها من كل النواحي، قبل فوات الأوان.
وعلى الحكومة اللبنانية أن تكون لديها رؤية موحّدة واستراتيجية واضحة لدعم الصناعة اللبنانية من كل النواحي، وخصوصاً في الشق التمويلي عبر صناديق مالية دولية، ورفع الحظر عن البضائع اللبنانية، في بلدان عدة مجاورة، ودعم ضريبي لتمويل صيانة ماكيناتها المنتجة عوضاً عن تمويل الدولة المهترئة.
هل الصناعة اللبنانية تحويلية أم صناعة ثقيلة؟ .





