هذا ما يباعد بين اللبنانيين

إذا أردنا أن نفصّل مواقف القوى السياسية مما يجري في الداخل اللبناني، الذي هو انعكاس لما يحصل حولنا وفي العالم من تطورات، لأمكننا تعداد أربعة مواقف متباعدة في الشكل والمضمون والأهداف. فلكل من هذه القوى استراتيجيته. وكل طرف يتحرّك وفق ما يتلاءم مع الأهداف، التي يراها متناغمة مع تطلعاته وطريقة مقاربته للمواضيع الشائكة. ولكن المستغرب أن ما بين جميع هذه القوى قاسمًا مشتركًا، وهو أن كل طرف يزعم بأن ما يقوم به هو من أجل “المصلحة العامة”. وهذه “المصلحة” تبقى نسبية ومتناقضة مع ما يفرّق بين هذه القوى في النظرة المختلفة للأمور.

الموقف الأول هو لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وجميع الذين ينظرون إلى المعادلات الدولية والإقليمية والداخلية من زوايا مختلفة عن كل ما لا يصّب في خانة العمل غير الفئوي وغير المنحاز لغير الخيارات الوطنية. فما يراه الفريق الرئاسي يبدو، وفق منطق الأشياء، مغايرًا في الشكل وفي المضمون عن نظرة الأفرقاء الآخرين المنقسمين عموديًا وأفقيًا. فما يمكن أن يُنظر إليه من بعبدا، من مختلف زواياها، يختلف من حيث المبدأ مع نظرة الآخرين المختلفة نظرتهم هم أيضًا، سواء أكانوا في حارة حريك أو عين التينة أو في معراب أو في الصيفي أو حتى في ميرنا الشالوحي.
بالنسبة إلى “الثنائي الشيعي” فإن الاختلاف في وجهات النظر بين مكوناته وبين الشرعية الممثلة برئاسة الجمهورية والحكومة يتباعد أحيانًا ويتقارب أحيانًا أخرى، ولكن في موضوعي “حصرية السلاح” والتفاوض مع

إسرائيل فإن كفّة التباعد هي الراجحة، مع التمايز الواضح في بعض المواقف بين “حزب الله” وحركة “أمل” في أكثر من ملف. وهذا ما يمكن استخلاصه من الرسالة التي وجهها “الحزب” إلى كل من الرئيس عون ورئيسي المجلس النيابي والحكومة، إذ رأت أوساط سياسية محايدة بأن شمول مضمون هذه الرسالة الرؤساء الثلاثة يؤّشر في مكان ما إلى أن نظرة “حارة حريك” تبدو مختلفة مع نظرة “عين التينة”.
أمّا بالنسبة إلى “معراب” و”الصيفي” والقوى السياسية الأخرى المتناغمة مواقفها مع موقفي “القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” فإن ما يجمع بينهم وبين رئاسة الجمهورية من نقاط تلاقٍ هو أكثر مما يباعد بينهم، وإن كان لكل منهم مقاربته التي تختلف ظروفها.
فهذه القوى تطالب رئاسة الجمهورية والحكومة بأن يكون خطاب القسم والبيان الوزاري وقرارات جلستي 5 و7 آب هي المعيار لأي خطوة يمكن أن تقدم عليها الشرعية اللبنانية في موضوع “حصرية السلاح، باعتبار أن هذه المسألة هي المدخل الطبيعي للحلول الأخرى. وتأخذ هذه القوى على رئيس الجمهورية اعتماده سياسة  تدوير الزوايا المسنّنة، إذ أن المطلوب، وفق ما تراه، أن يكون التحرّك في هذا المجال بوتيرة متسارعة أكثر مما هو عليه الوضع حاليًا، باعتبار أن لبنان لا يملك ترف الوقت، خصوصًا أن التطورات في المنطقة تسير بسرعة صاروخية، سواء بالنسبة إلى الحالة الغزاوية، أو بالنسبة إلى التطورات السورية.
أمّا الفريق الآخر والمتمثّل بـ “التيار الوطني الحر” فإنه لا يعجبه العجب ، وهو يرى أبيض الآخرين أسود، من دون أن يكون لديه رؤية واضحة المعالم بالنسبة إلى المستقبل، مع محاولاته المتكرّرة بأن يكون مع أم العروس وأم العريس في آن واحد، وهذا ما يفقد مواقفه بعضًا من بريقه، خصوصًا أنه يعتبر أنه بات في الساحة لوحده من دون أن يكون لديه حليف ثابت، خصوصًا أن المؤشرات الانتخابية تبيّن تراجعه الملحوظ في أكثر من دائرة. وهذا ما يدفعه مرّة جديدة إلى التقرّب من “حزب الله” سعيًا إلى انقاذ ماء وجهه الانتخابي، علمًا أن ماكينته الانتخابية تخالف هذه النظرية، وتؤكد أن شعبية ”

التيار” ثابتة، وهي في اضطراد تصاعدي، وأن صناديق الاقتراع هي التي من شأنها فرز الخيط الأبيض عن الخيط الأسود.
أمّا ما يفرّق ويباعد بين هذه القوى الثلاث فأمور كثيرة، ومن بينها وأهمها، “حصرية السلاح”، والمادة 112 من قانون الانتخاب، والتفاوض مع إسرائيل، إلى ما هنالك من قضايا خلافية كثيرة لا يتفق عليها اللبنانيون المنقسمون أفقيًا. وهذا ما يؤّخر عملية النهوض، وهذا ما يجعل لبنان في آخر ركب التطورات المتسارعة في المنطقة.
فإذا حّلت عقدة “حصرية السلاح” بما يتناسب مع السيادة اللبنانية، وإذا وجد اللبنانيون أن لا مناص من التفاوض مع العدو للحصول على ما يحقّق للبنان بالتفاوض ما لم تحقّقه “المقاومة الإسلامية” بالسلاح، وإذا أُعطي للمغتربين الحقّ في انتخاب نوابهم الـ 128 مثلهم مثل أي لبنان مقيم، فإن مشاكل لبنان تبدأ بالحلحلة، عقدة وراء عقدة.

هذا ما يباعد بين اللبنانيين .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...