مَن يتذكّر شهادة “الأكاديمي المتفوق” رستم غزالة؟

على وقع فضيحة تزوير الشهادات في كلية الحقوق من قبل دكاترة وبعض الجهابذة الطامحين لتبوؤ مواقع سياسية، وقبلها بعض “الجامعات” أو الدكاكين الخاصة المتخصصة في تزوير الشهادات للعراقيين وغيرهم، والأخرى المتخصصة في تفريخ الشهادات للصالح والطالح، من دون أن ننسى فضائح تسريب أسئلة الامتحانات الرسمية هنا وهناك، وبيع الأطروحات عبر الانترنت أو الهيمنة الطائفية على “الناجحين” في الماستر في بعض المعاهد… 

على وقع هذا كله، تذكرتُ ما قرأته في مخطوطة الكاتب والأكاديمي الصديق د.زهير هواري بعنوان “أحكي وفي فمي تراب الكلام”(*)، عن أنه اثناء عمله في إحدى الصحف العريقة الآفلة، أعلمه شقيق صاحب الجريدة وناشرها، أن المطلوب منه حجز “خمسة أعمدة في رأس الصفحة لتغطية مناقشة أطروحة دكتوراة لرئيس جهاز المخابرات السورية في لبنان العقيد الركن رستم غزالة“. يضيف: “قلت له لا خمسة ولا أربعة أعمدة، سأتعامل معه كما تعاملت لدى نيلي الدكتوراة أو أي كان: خبر في منتصف الصفحة مع صورة. قال: خمسة أعمدة وعدة صور. قلت سأترك لك الأعمدة الخمسة وأرسم باقي الصفحة وأذهب إلى البيت، وفعلت”. 

وفي صباح اليوم التالي، وجد هواري “الأكاديمي المتفوق” العقيد الركن غزالة وصوره وصور الحضور، في أعلى الصفحة، وفي مقدمهم رئيس الجامعة اللبنانية وعمداء الكليات ولجنة المناقشة وأساتذة وضباط وباقات الزهر والتهاني. والأطروحة نوقشت تحت عنوان “القضية اللبنانية في المؤتمرات والمراسلات اللبنانية والعربية والدولية 1918- 1946”. وكان هواري علم بمَن وضع في رأس غزالة فكرة إضافة شهادة الدكتوراه إلى أوسمته العسكرية، ومَن كتب له أطروحته فوعده بتوزيره… مع كل التفاصيل. 

لا ضرورة لنبش القبور الآن وفضح الأسماء، حول من أعطى الشهادة لرستم غزالة، لكنها كانت النموذج السائد في زمن الوصاية وجزءاً من ثقافة تعلمية عامة، وقد شهدنا فضائح مماثلة لأسماء سياسة وأكاديمية قيل إنها تحمل شهادات مزورة. وقرأنا عن مسؤول حزبي تحدث مع رئيس أحد الأحزاب الممانعة من أجل الضغط على الدكتور ابن منطقته، ليتساهل معه في امتحانات الجامعة. والأفدح من تمرير الشهادات وتزويرها، تملّق الصحف اللبنانية للوصاية السورية آنذاك. تودد الجميع للنظام السوري باعتباره الآمر الناهي في لبنان، حتى أن حزباً مسيحياً، في لحظة تحالفه مع النظام السوري لمصلحته، أطلق أغنيات في تمجيد الأسد وسياسته، ولاحقاً أعلن النفير العام للمواجهة.

ومقاطع قليلة من كتاب د.زهير هواري، تبين واقع صحافة الوصاية والمافيات الطائفية، يقول: “كنت أكتب ما أريد كتابته، وأعرف أنني في اليوم التالي سأنال توبيخاً على ما كتبت. لم يصدر منع من الكتابة لأشخاص في كادر الجريدة، سوى لمدير تحرير القسم الثقافي، ولي”. مقال عن العونية والعونيين، ومقال حول حرب العدوان الإسرائيلي في تموز من العام 2006 وما رافقه من “أعاجيب ومعجزات إلهية” تكرست في النصر الإلهي. يضيف: “الآخرون الذين حوصروا لخطهم السياسي والثقافي، جرى إرغامهم على المغادرة، وهم من الأسماء اللامعة. وأحياناً كانت كل كلمة نكتبها يجب أن تخضع لرقابة وموافقة رئيس التحرير. بعد أشهر، تتراخى القبضة عن أسمائنا، ونعمد بدورنا إلى تدوير الزوايا ونستمر في معاكسة تيار جارف من التبعية للمفوض السامي السوري، وبعده لأتباعه”.

ويسرد هواري مسيرته في مهنة المصاعب، وقد تناول قضايا شائكة من نوع مالآت ومؤسسات الطوائف التعليمية في لبنان ما بعد الطائف، والمعاهد والدراسات الدينية والمذهبية لدى الطوائف، والتعليم العالي وتفريخ الجامعات والتراخيص التجارية للمزيد من مؤسسات التعليم العالي، وأوضاع المخيمات الفلسطينية بعد محنة الاجتياح، وخروج العصب البشري الفلسطيني من لبنان، وحرب المخيمات مع حركة أمل، وما تبقى من رماد الحرائق. ويقول إن ميزة صاحب الجريدة من ميزات كثيرة أنك “تختلف أو تتفق معه، وتظل بالنسبة له من أركان الجريدة، ولا يضحي بك. وما عليك سوى أن تحترم أو تلتزم بالحد الأدنى من الخطوط الحمراء، التي يضعها، حفاظاً على رأسه ومؤسسته”. لكن ابنته ووريثته أحدثت انقلاباً “ليس عليَّ تقدير أهميته، باعتبار أن رأيي به كان سلبياً به منذ ظهور طلائعه”…. وبسبب بعض “المعارك التربوية”، لم ينجح بدوره في حماية العاملين معه في القسم، وجرى صرفهم و”تجريده من محيطه المهني المباشر”، وقبول بقائه في الجريدة على أن يقدم المواد التي يكتبها لتنشر في صفحات زميل له.

ويورد هواري أنه كصحافي ملتزم أثبت للجميع أن الصحافيين الذين نشأوا في صحف حزبية، أكثر حساسية للقضايا والمسائل من سواهم. هذا أولاً، وثانياً لقد خاض في “السفير” معارك كان الأصعب فيها هو ما يدور في الداخل عن الخارج. كان بعض المحررين لا يقيمون وزناً للديموقراطية والحريات العامة، ويتصرفون كمروجين لمافيات وأحزاب السلطة وقواها.

مَن يتذكّر شهادة “الأكاديمي المتفوق” رستم غزالة؟ .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...