“البابا يلغي زيارته للبنان”، كلمات أربع انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي و “الغروبات”، كالنار في الهشيم، ونُسِبَت إلى فضائية عربية سارعت إلى نفي أن تكون هي التي أوردت الخبر، وكتبت: “لا صحة للخبر المنسوب للقناة بشأن إلغاء زيارة البابا للبنان”.
نَشرُ الخبر، الذي تأكّد أنه fake، وعدم براءة مَن يقف وراءه، يرجِّحان أن يكون عملًا محترفًا ليس وراءه شخص بل جهة، ما يطرح السؤال: ما الهدف منه؟ ومَن يريد التشكيك بحدوث زيارة البابا للبنان؟
مقاربة الموضوع تنطلق من الأهمية القصوى للزيارة، انطلاقًا من المعطيات التالية:
إنها الزيارة الأولى لقداسته خارج حاضرة الفاتيكان، منذ انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية.
يريد الفاتيكان من خلال هذه الرسالة أن يوجّه رسالة متعدّدة الاتجاهات مفادها أن لبنان ما زال مهمًا بالنسبة إلى الكرسي الرسولي انطلاقًا من “التاريخ المشترك” بين عاصمة الكثلكة والبلد المتنوّع الوحيد في الشرق الأوسط، الذي وصفه البابا يوحنا بولس الثاني بأنه “أكثر من وطن، إنه رسالة”، والإرشاد الذي أطلقه البابا القديس انطلاقًا من “السينودوس من أجل لبنان”، يعطي هذه الأهميّة القصوى لزيارة البابا الحالي.
تأتي الزيارة في توقيت بالغ الدقة، إلى درجة أن بعض المراقبين والمحلّلين يعتبرون تاريخها محطة فاصلة بين ما قبلها وما بعدها، حتى أن بعضهم يقول إن ما قبل الزيارة لن يكون كما بعدها بالنسبة إلى الوضع اللبناني، وذهب البعض إلى القول إن هناك هدنة يمكن تسميتها “هدنة البابا”، بمعنى أن لبنان سيشهد تطوّرات ميدانية ما بعد زيارة البابا.
هل هذا التوقُع في محلّه؟
المخاوف كثيرة، لكن لبنان اعتاد “المحطات”، وهناك ولع فيها، لكن ما هو مؤكّد أنه في كلّ مرة تكون هناك زيارة تاريخيّة للبنان، يبدأ التشويش عليها، والتشويش هذه المرة داخليّ أكثر منه خارجيًا، فالكثير من “معارضي الداخل” ممتعضون من زيارة البابا لأنها ستوضَع في خانة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وهذا سبب كافٍ للتشويش عليها. من هنا، يمكن فَهم أو تقدير مَن يكون وراء الخبر المغلوط الذي لا أساس له من الصحة، إلى درجة أن لا أحد من الجهتين المعنيّتين، لبنان والفاتيكان، اعتبر أن هناك لزومًا لنفي الخبر الكاذب.
الممتعضون سيعيدون الكرَّة، لأنهم لا يريدون أن يُسجَّل أن البابا جاء إلى لبنان في عهد الرئيس جوزاف عون، وأن زيارته الأولى خارج الفاتيكان ستكون إلى لبنان، وهذه رسالة إلى جميع مَن يعنيهم الأمر، سواء في الداخل أم في الخارج، مفادها أن “لبنان أكثر من وطن، إنه رسالة”.
والدليل الأبرز على أن المعنيّين لم يتوقفا كثيرًا عند الخبر الكاذب، أن التحضيرات للزيارة تجري بجدّية تامة وسرية تامة توفيرًا لنجاح الزيارة، و “خلية العمل” التي تجتمع في القصر الجمهوري تصل الليل بالنهار، لتأتي التحضيرات على أكبر قَدْر من الحرفية، وهذا وحده كافٍ للردّ على أكاذيب الممتعضين.
مَن لا يريد أن يزور البابا لبنان؟ .



