يتواصل الزخم الأميركي تجاه المنطقة، فبعد الجولات الدبلوماسية، والطروحات الأمنية والعسكرية لخلق وقائع جديدة، تأتي زيارة وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب جون هيرلي إلى كل من لبنان، تركيا، إسرائيل ودولة الإمارات، والعنوان الأساسي للزيارة هو رصد مصادر الأموال الإيرانية أو لحلفاء طهران وكيفية تمكنهم من الالتفاف على العقوبات، يعني ذلك بوضوح انتقال الضغوط على إيران وحزب الله إلى مستوىً جديد يتعلق بسدّ “الأوردة المالية”. بذلك تحضر واشنطن بكل أثقالها، المالية، السياسية والدبلوماسية، والعسكرية حتى عبر قاعدة “كريات غان”، فهذه القاعدة التي تشرف بواسطتها الولايات المتحدة الأميركية على تطبيق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة، ويُطلق عليها اسم “غرفة السلام”؛ أي مهمة تعزيز مسار اتفاقات السلام مع إسرائيل.
في هذا السياق، فإن لبنان كما سوريا من الدول المعنية بهذا المسار بناء على الضغوط الأميركية المستمرة، والتي لا تزال متواصلة وستتجدد مع زيارة وكيل وزارة الخازنة، أو بانتظار وصول السفير الأميركي الجديد المعين في لبنان ميشال عيسى، الذي تتركز مهمته على مواكبة سحب سلاح حزب الله وفتح طريق التفاوض السياسي المباشر مع إسرائيل للوصول إلى اتفاق سلام، وليس فقط اتفاق أمني. بذلك تريد واشنطن تعزيز كل مراكز قواها في الشرق الأوسط، وتسعى إلى إنهاء حالات التوتر والحروب لتثبيت استقرار تسعى عبره القول إن هذه المنطقة أصبحت على نحوٍ كامل تحت سيطرتها ونفوذها، وعبره تريد الولايات المتحدة الأميركية مواجهة الصين وقطع طرقاتها الاقتصادية والتجارية.
يُفسر البعض هذا المسار الأميركي بوصفه جعل المنطقة قاعدة انطلاق لمواجهة الصين، والارتكاز على التحالف مع الأكثرية السنية في هذه المنطقة لمواجهة الصين، ولا تنفصل كل المساعي الأميركية عن وقف الحرب بين باكستان وأفغانستان، وبين باكستان والهند، خصوصاً أن كل هذه المنطقة بنظر الأميريكيين هي التي تحتوي على قلب العالم لجهة ممرات التجارة ومصادر الثروات والطاقة، وفي هذه الدول كلها يُفترض أن يمر مشروع الصين “حزام وطريق” لإعادة إحياء طريق الحرير القديم. وهذا ما يُفسر الحرص الاميركي على وقف الحروب، وتعزيز العلاقات مع تركيا، وحتى مع سوريا.
إيران أيضاً، تدخل ضمن الاستراتيجية الأميركية، ولطالما سعت الولايات المتحدة إلى إبرام اتفاق مع إيران، وذلك لجعلها على الطريق النقيض للصين، لكن المفاوضات لا تزال متعثرة في ظل الشروط الأميركية القاسية، التي يصفها الإيرانيون بأنها شروط استسلام لا يمكن القبول بها. هذا سيبقي التركيز على إيران قائماً، إما عبر المزيد من الضغوط، أو عبر رصد أيّة عمليات عسكرية أو أمنية قد تتجدد لاحقاً للضغط على طهران أكثر، ودفعها إلى القبول بما هو معروض عليها.
ذلك كله يتماشى مع مسألة تعزيز الوجود الأميركي في المنطقة، وإن كان وجوداً غير رسمي أو واسع، على طريقة الانتشارات السابقة. قاعدة كريات غات، سيكون لها ما يقابلها على المتوسط وهي السفارة الأميركية الكبيرة التي تُشيَّد في لبنان، وستحتوي على مطار وغرفة عمليات ومراكز رصد، إضافة إلى تعزيز الوجود الأميركي عبر توسيع دور لجنة مراقبة وقف إطلاق النار “الميكانيزم” وصلاحياتها، التي يترأسها جنرال أميركي ويعاونه عدد من الضباط. ذلك يتقاطع أيضاً مع معلومات عن تعزيز الحضور العسكري الأميركي في السفارة الأميركية، أو في قاعدة حامات أو القاعدة البحرية في عمشيت. أما من جهة الشرق، فإن المعلومات تفيد بسعي واشنطن لتوسيع نطاق وجودها في سوريا والتمدد من قاعدة التنف على الحدود السورية الأردنية العراقية، غرباً باتجاه البادية السورية وإمكانية إنشاء قاعدة عسكرية في مطار الضمير العسكري في ريف حمص.
من غزة إلى لبنان وسوريا.. مثلث أميركي لمواجهة الصين .





