مقعد إيراني في مفاوضات لجنة «الميكانيزم»

يدرك رئيس الجمهورية مدى تصاعد مناخ الاعتراض في الداخل والخارج على سياسته إزاء «حزب الله»، واعتبار أنها تتسم بالمسايرة وتفتقر إلى الصلابة والجدية المطلوبتين. لديه قناعة بأن رفع بعبدا بالذات منسوب الضغط على «الحزب» سيدفعه إلى المزيد من السلبية والتمترس خلف حاضنته، بما يضع الدولة أمام مواجهة سياسية وشعبية واجتماعية تعقد جهود الجيش في تطبيق قرار حصرية السلاح.

لذلك، يعمل الرئيس جوزاف عون على المواءمة بين إيقاع الضغط الخارجي والساحة الداخلية، من خلال توظيف المناخ الاعتراضي الآخذ في التوسع كأداة ضغط على «الحزب»، واقتناص ديناميكيات «المومينتوم» الدولي لفرض خطوة جديدة تثبت مسار الدولة. حينما اشتدت الضغوط مطلع آب الماضي، انتزع من «الحزب» انتزاعًا قرار حصرية السلاح، ثم خطة الجيش التنفيذية. التقط إشادة ترامب «المفخخة» خلال قمة «شرم الشيخ»، وأطلق مبادرة المفاوضات مع إسرائيل، واستطاع إحداث خرق داخلي أتاح تشكيل غطاء سياسي واسع لمبدأ التفاوض يشمل «الثنائي الشيعي» بعدما كان رافضًا. لينتقل البحث اليوم إلى الآليات ومستويات التمثيل.

بالنسبة لرئيس الجمهورية والحكومة، فإن الأهم هو مضمون المفاوضات، حيث يرى الرئيسان أن «اتفاق وقف الأعمال العدائية» في 27 تشرين الثاني الماضي يشكل قاعدة مناسبة للانطلاق منها نحو البحث في المسائل العالقة، والبنود التي لم يصر إلى تنفيذها كاملة، وفي طليعتها حصرية السلاح، وخلق قنوات تواصل مستدامة تتيح تثبيت الاستقرار عبر تسوية أمنية تتسق مع أسس الاتفاقية السورية – الإسرائيلية التي اقتربت من النضوج. هذه العناصر شكلت جوهر النقاش مع الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، ورئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد.

فبينما لا تمانع أميركا أن تكون المفاوضات عبر «لجنة الميكانيزم» بعد تطويرها لتضم ممثلين عن المستوى السياسي، كخطوة تمهد لإمكانية عقد مفاوضات مباشرة في ما بعد على مستوى وزاري، فإن القاهرة تطرح إطارًا تفاوضيًا مماثلًا لما حصل في غزة، تكون فيه وسيطًا بين بيروت وتل أبيب برعاية واشنطن، وتحت ظلال ضغطها الذي يحد من إمكانية تمييع الوقت، والذي ترجمه بوضوح بيان السفارة الأميركية «على الحكومة وضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة بحلول نهاية العام».

والحال أن الإشكالية التي يواجهها نهج الدولة في أعين الفاعلين الخارجيين ورعاة العهد تكمن في الفجوة الزمنية. فقطار التسويات في المنطقة ترتبط مواقيت تحركه بساعة دولية لا تنسجم إعداداتها مع الخصوصيات المحلية. بينما يواصل الرئيس جوزاف عون خلال لقاءاته مع المسؤولين الدوليين والعرب شرح وتبيان التأثير السلبي لمحدودية الموارد على زخم المبادرة لدى الدولة. والتقرير الذي نشرته «رويترز» حول نفاد المتفجرات عند الجيش هو غيض من فيض يعرف دقائقه كل الفاعلين الخارجيين المؤثرين على الساحة اللبنانية.

في المقابل، ثمة ظل يحضر طيفه بشكل خفي ويؤثر سلبًا على تقدم المسار التفاوضي، وهو ظل المرشد الإيراني الباحث عن صفقة مع أميركا لحماية نظامه، حيث توظف طهران قرار «الحزب» للحصول على مقعد غير مرئي في المفاوضات، يتيح لها فتح كوة في جدار الرفض الأميركي، وأن تكون شريكًا مضاربًا في عوائدها السياسية. الأمر الذي يعيد تذكيرنا بـ «تفاهم نيسان» 1996 الذي أبرم عبر جهود قادها الرئيس رفيق الحريري بالشراكة مع فرنسا خلال حكم جاك شيراك، وكان لسوريا مقعد مباشر على طاولة لجنة المراقبة يترجم وصايتها السافرة، وكان ممثل لبنان يخضع لإملاءات حافظ الأسد ومصالحه.

وعليه، فإن نجاح المبادرة التفاوضية مقرون بإزالة مقعد إيران غير المرئي. واحد من أبرز أهداف الضغط الدولي على لبنان للدخول في مفاوضات مع إسرائيل، سواء عبر وسيط أم مباشرة، هو إخراجه من محور الممانعة، وتحرير المسألة اللبنانية من نفوذ الملالي بعد إخراجهم من القضية الفلسطينية، وتثبيت عنصر المبادرة في يد الدولة وحدها. ومن لا يزال يحاول افتعال الضجيج لإغراق خيار التفاوض في المتاهة اللبنانية، فإن الأسوأ منه جعل المبادرة في يد قوة البطش الإسرائيلية، وترك لبنان ساحة تفاوض بالنار والرسائل الدموية.

مقعد إيراني في مفاوضات لجنة «الميكانيزم» .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...